أَنْ يَعْطِفَ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ، وَلَا سِيَّمَا فِي الدُّعَاءِ، وَأَمَّا الْإِيرَادُ الثَّانِي فَلَا نَعْلَمُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ تَبَعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ اسْتِقْلَالًا، وَقَدْ شُرِعَ الدُّعَاءُ لِلْآحَادِ بِمَا دَعَاهُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ لِنَفْسِهِ فِي حَدِيثِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَحَدِيثُ جَابِرٍ ضَعِيفٌ وَرِوَايَةُ يَزِيدَ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قَالَ يَزِيدُ: فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ زَادَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، أَوْ رَوَاهُ عَنْ كَعْبٍ.
وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وَوَرَدَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بِلَفْظِ: يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ - إِلَى قَوْلِهِ: - وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، وَصَلِّ عَلَيْنَا مَعَهُمْ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ - مِثْلَهُ، وَفِي آخِرِهِ: - وَبَارِكْ عَلَيْنَا مَعَهُمْ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ، لَكِنَّهُ فِيمَا أَحْسَبُ مُدْرَجٌ؛ لِمَا بَيَّنَهُ زَائِدَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ.
ثَانِيهِمَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ، لَكِنْ قَالَ: اللَّهُمَّ بَدَلَ الْوَاوِ فِي: وَصَلِّ وَفِي: وَبَارِكْ، وَفِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَعَقَّبَ الْإِسْنَوِيُّ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ مَعَ اخْتِلَافِ كَلَامِهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ يَسْبِقْ إِلَى مَا قَالَ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ تَشَهَّدَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَكْمَلِ الرِّوَايَاتِ وَيَقُولَ كُلَّ مَا ثَبَتَ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً، وَأَمَّا التَّلْفِيقُ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إِحْدَاثَ صِفَةٍ فِي التَّشَهُّدِ لَمْ تَرِدْ مَجْمُوعَةً فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ لَمْ تَرِدْ مَجْمُوعَةً فِي طَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَعْمَلَ كُلُّ لَفْظٍ ثَبَتَ عَلَى حِدَةٍ، فَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ مَا وَرَدَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ الْجَمِيعُ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَقُلْهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا كَانَ يَلْزَمُ الشَّيْخَ أَنْ يَجْمَعَ الْأَلْفَاظَ الْوَارِدَةَ فِي التَّشَهُّدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَلْتَزِمَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَيْضًا: قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ وَنَحْوِهِ، كَالِاخْتِلَافِ فِي الْقِرَاءَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِاسْتِحْبَابِ التِّلَاوَةِ بِجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ فِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَجَازَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ لِلتَّمْرِينِ، انْتَهَى.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّفْظَ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَمَا فِي أَزْوَاجِهِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يَسْتَقِلُّ بِزِيَادَةِ مَعْنًى لَيْسَ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ الْبَتَّةَ، فَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ يَزِيدُ عَلَى الْآخَرِ فِي الْمَعْنَى شَيْئًا مَا فَلَا بَأْسَ بِالْإِتْيَانِ بِهِ احْتِيَاطًا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ: إِنَّ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ الْمُبَاحُ، فَأَيُّ لَفْظٍ ذَكَرَهُ الْمَرْءُ أَجْزَأَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَكْمَلَهُ وَأَبْلَغَهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّقْلِ عَنِ الصَّحَابَةِ، فَذَكَرَ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ طَوِيلٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالطَّبَرِيُّ، والطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ فَارِسٍ، وَأَوَّلُهُ. اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ إِلَى أَنْ قَالَ.
اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ، وَرَأْفَةَ تَحِيَّتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْحَدِيثَ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّبَرِيُّ، وَادَّعَى ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ بَلْ كُلُّهَا مُصَرِّحَةٌ بِذِكْرِ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَبِذِكْرِ آلِ إِبْرَاهِيمَ فَقَطْ، أَوْ بِذَكَرِ إِبْرَاهِيمَ فَقَطْ، قَالَ: وَلَمْ يَجِئْ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ مَعًا، إِنَّمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَحْيَى مَجْهُولٌ وَشَيْخُهُ مُبْهَمٌ، فَهُوَ سَنَدٌ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute