قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ انْتَهَى. وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، لَكِنْ فِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) قِيلَ: أَصْلُ آلِ أَهْلٌ قُلِبَتِ الْهَاءُ هَمْزَةً، ثُمَّ سُهِّلَتْ، وَلِهَذَا إِذَا صُغِّرَ رُدَّ إِلَى الْأَصْلِ، فَقَالُوا: أُهَيْلٌ، وَقِيلَ: بَلْ أَصْلُهُ أَوَلَ مِنْ آلَ إِذَا رَجَعَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ مَنْ يَئُولُ إِلَى الشَّخْصِ وَيُضَافُ إِلَيْهِ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُ لَا يُضَافُ إِلَّا إِلَى مُعَظَّمٍ، فَيُقَالُ: آلُ الْقَاضِي، وَلَا يُقَالُ: آلُ الْحَجَّامِ، بِخِلَافِ أَهْلِ، وَلَا يُضَافُ آلُ أَيْضًا غَالِبًا إِلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ وَلَا إِلَى الْمُضْمَرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ بِقِلَّةٍ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي شِعْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ مِنْ أَبْيَاتٍ:
وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِ … يبِ وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَكْ
وَقَدْ يُطْلَقُ آلُ فُلَانٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ جَمِيعًا، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ فَعَلَ آلُ فُلَانٍ كَذَا دَخَلَ هُوَ فِيهِمْ إِلَّا بِقَرِينَةٍ، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ قَوْلُهُ ﷺ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَإِنْ ذُكِرَا مَعًا فَلَا، وَهُوَ كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَكَذَا الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ، وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ فِي الْإِتْيَانِ بِهِمَا مَعًا، وَفِي إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا كَانَ أَوْلَى الْمَحَامِلِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ ﷺ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهَ، وَيَكُونُ بَعْضُ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، وَأَمَّا التَّعَدُّدُ فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الطُّرُقِ تُصَرِّحُ بِأَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمْ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ بِدُونِ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى بِنَاءً عَلَى دُخُولِ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: آلِ إِبْرَاهِيمَ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِآلِ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَالرَّاجِحُ أَنَّهُمْ مَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَهَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: الْمُرَادُ بِآلِ مُحَمَّدٍ فِي حَدِيثِ التَّشَهُّدِ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَهْلٌ، عِوَضَ آلٍ؟ رِوَايَتَانِ عِنْدَهُمْ.
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِآلِ مُحَمَّدٍ: أَزْوَاجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ جَاءَ بِلَفْظِ: وَآلِ مُحَمَّدٍ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ مَوْضِعُهُ: وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآلِ الْأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْرُهُ، فَالْمُرَادُ بِالْآلِ فِي التَّشَهُّدِ: الْأَزْوَاجُ، وَمِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الذُّرِّيَّةُ، فَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى أَزْوَاجِهِ ﷺ آلَ مُحَمَّدٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ خُبْزٍ مَأْدُومٍ ثَلَاثًا وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ، وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا.
وَكَأَنَّ الْأَزْوَاجَ أُفْرِدُوا بِالذِّكْرِ تَنْوِيهًا بِهِمْ وَكَذَا الذُّرِّيَّةُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآلِ ذُرِّيَّةُ فَاطِمَةَ خَاصَّةً، حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقِيلَ: هُمْ جَمِيعُ قُرَيْشٍ، حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآلِ جَمِيعُ الْأُمَّةِ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَالَ إِلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيٌّ وَحَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَالرَّاغِبُ بِالْأَتْقِيَاءِ مِنْهُمْ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ﴾ وَقَوْلُهُ: ﷺ: إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي الْعَيْنَاءِ إِنَّهُ غَضَّ مِنْ بَعْضِ الْهَاشِمِيِّينَ فَقَالَ لَهُ: أَتَغُضُّ مِنِّي وَأَنْتَ تُصَلِّي عَلَيَّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؟ فِي قَوْلِكَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَلَسْتَ مِنْهُمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الرَّحْمَةُ الْمُطْلَقَةُ، فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى تَقْيِيدٍ، وَقَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute