للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ: آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَلَكِنْ سَنَدَهُ وَاهٍ جِدًّا، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ مِنْ قَوْلِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.

قَوْلُهُ: (كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ) اشْتَهَرَ السُّؤَالُ عَنْ مَوْقِعِ التَّشْبِيهِ مَعَ أَنَّ الْمُقَرَّرَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَالْوَاقِعُ هُنَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَمِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَلَا سِيَّمَا قَدْ أُضِيفَ إِلَيْهِ آلُ مُحَمَّدٍ، وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ أَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الْمَطْلُوبَةُ أَفْضَلَ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ حَصَلَتْ أَوْ تَحْصُلُ لِغَيْرِهِ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ.

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ : يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، قَالَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ سَأَلَ لِنَفْسِهِ التَّسْوِيَةَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَرَ أُمَّتَهُ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ ذَلِكَ، فَزَادَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِغَيْرِ سُؤَالٍ أَنْ فَضَّلَهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَغَيَّرَ صِفَةَ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ.

الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا، وَشَرَعَ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ؛ لِيَكْتَسِبُوا بِذَلِكَ الْفَضِيلَةَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ التَّشْبِيهَ إِنَّمَا هُوَ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا لِلْقَدْرِ بِالْقَدْرِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَحْسِنْ إِلَى وَلَدِكَ كَمَا أَحْسَنْتَ إِلَى فُلَانٍ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ أَصْلَ الْإِحْسَانِ لَا قَدْرَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ وَرَجَّحَ هَذَا الْجَوَابَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الْكَافَ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ﴾ وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَافُ عَلَى بَابِهَا مِنَ التَّشْبِيهِ، ثُمَّ عُدِلَ عَنْهُ لِلْإِعْلَامِ بِخُصُوصِيَّةِ الْمَطْلُوبِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ خَلِيلًا كَمَا جَعَلَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ كَمَا جَعَلَ لِإِبْرَاهِيمَ، مُضَافًا إِلَى مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمَحَبَّةِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَرَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مِثْلُ رَجُلَيْنِ يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا أَلْفًا وَيَمْلِكُ الْآخَرُ أَلْفَيْنِ، فَسَأَلَ صَاحِبُ الْأَلْفَيْنِ أَنْ يُعْطَى أَلْفًا أُخْرَى نَظِيرَ الَّذِي أُعْطِيَهَا الْأَوَّلُ فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ لِلثَّانِي أَضْعَافَ مَا لِلْأَوَّلِ.

السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ مَقْطُوعٌ عَنِ التَّشْبِيهِ فَسَيَكُونُ التَّشْبِيهُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَاوُوا الْأَنْبِيَاءَ فَكَيْفَ تُطْلَبُ لَهُمْ صَلَاةٌ مِثْلُ الصَّلَاةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْأَنْبِيَاءُ مِنْ آلِهِ؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الثَّوَابُ الْحَاصِلُ لَهُمْ لَا جَمِيعُ الصِّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِلثَّوَابِ، وَقَدْ نَقَلَ الْعِمْرَانِيُّ فِي الْبَيَانِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ نَقَلَ هَذَا الْجَوَابَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ الْقَيِّمِ صِحَّةَ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَعَ فَصَاحَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ لَا يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ هَذَا التَّرْكِيبَ الرَّكِيكَ الْمَعِيبَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، كَذَا قَالَ، وَلَيْسَ التَّرْكِيبُ الْمَذْكُورُ بِرَكِيكٍ، بَلِ التَّقْدِيرُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَلِّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ إِلَى آخِرِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ تَعَلُّقُ التَّشْبِيهِ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ.

السَّابِعُ: أَنَّ التَّشْبِيهَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ؛ فَإِنَّ فِي الْأَنْبِيَاءِ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ كَثْرَةٌ، فَإِذَا قُوبِلَتْ تِلْكَ الذَّوَاتُ الْكَثِيرَةُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ بِالصِّفَاتِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي لِمُحَمَّدٍ أَمْكَنَ انْتِفَاءُ التَّفَاضُلِ. قُلْتُ: وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ مُقَابَلَةُ الِاسْمِ فَقَطْ بِالِاسْمِ فَقَطْ، وَلَفْظُهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.

الثَّامِنُ: أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَحْصُلُ لِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ مِنْ صَلَاةِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ فَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ صَلَاةِ الْمُصَلِّينَ مِنْ أَوَّلِ التَّعْلِيمِ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ أَضْعَافُ مَا كَانَ لِآلِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبَّرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: الْمُرَادُ دَوَامُ ذَلِكَ وَاسْتِمْرَارُهُ.

التَّاسِعُ: أَنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إِلَى الْمُصَلِّي فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي ثَوَابًا عَلَى صَلَاتِي عَلَى النَّبِيِّ