للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَرْضِ، وَبِهِ سُمِّيَتْ بِرْكَةُ الْمَاءِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ؛ لِإِقَامَةِ الْمَاءِ فِيهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يُعْطَوْا مِنَ الْخَيْرِ أَوْفَاهُ، وَأَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ وَيَسْتَمِرَّ دَائِمًا، وَالْمُرَادُ بِالْعَالَمِينَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِهِ أَصْنَافُ الْخَلْقِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى، قِيلَ: مَا حَوَاهُ بَطْنُ الْفُلْكِ، وَقِيلَ: كُلُّ مُحْدَثٍ، وَقِيلَ: مَا فِيهِ رُوحٌ، وَقِيلَ بِقَيْدِ الْعُقَلَاءِ، وَقِيلَ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) أَمَّا الْحَمِيدُ فَهُوَ فَعِيلٌ مِنَ الْحَمْدِ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ، وَأَبْلَغُ مِنْهُ، وَهُوَ مَنْ حَصَلَ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْحَمْدِ أَكْمَلُهَا، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْحَامِدِ، أَيْ: يَحْمَدُ أَفْعَالَ عِبَادِهِ، وَأَمَّا الْمَجِيدُ فَهُوَ مِنَ الْمَجْدِ، وَهُوَ صِفَةُ مَنْ كَمُلَ فِي الشَّرَفِ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، كَمَا أَنَّ الْحَمْدَ يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ الْإِكْرَامِ، وَمُنَاسَبَةُ خَتْمِ هَذَا الدُّعَاءِ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ، أَنَّ الْمَطْلُوبَ تَكْرِيمُ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَالتَّنْوِيهُ بِهِ وَزِيَادَةُ تَقْرِيبِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ طَلَبَ الْحَمْدِ وَالْمَجْدِ، فَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمَا كَالتَّعْلِيلِ لِلْمَطْلُوبِ أَوْ هُوَ كَالتَّذْيِيلِ لَهُ، وَالْمَعْنَى إِنَّكَ فَاعِلٌ مَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ الْحَمْدَ مِنَ النِّعَمِ الْمُتَرَادِفَةِ، كَرِيمٌ بِكَثْرَةِ الْإِحْسَانِ إِلَى جَمِيعِ عِبَادِكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ بِلَفْظِ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا؟ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التُّرْكُمَانِيِّ بِأَنَّهُ قَالَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ قَتْلِ مَا لَهُ رُوحٌ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثٍ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْحُفَّاظُ يَتَوَقَّوْنَ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ، قُلْتُ: وَهُوَ اعْتِرَاضٌ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ، لَكِنْ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ فَهُوَ فِي دَرَجَةِ الْحَسَنِ إِذَا صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُصَحِّحُ لَهُ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ، وَيَجْعَلُ كُلَّ مَا يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ صَحِيحًا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ حِبَّانَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَابْنِ خُزَيْمَةَ، والْبَيْهَقِيِّ لِإِيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي التَّشَهُّدِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ إِنَّمَا يُفِيدُ إِيجَابَ الْإِتْيَانِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ فِي التَّشَهُّدِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى إِيجَابِ أَصْلِ الصَّلَاةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ، وَلَكِنْ قَرَّبَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ، وَكَانَ النَّبِيُّ قَدْ عَلَّمَهُمْ كَيْفِيَّةَ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَالتَّشَهُّدُ دَاخِلَ الصَّلَاةِ فَسَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ، فَعَلَّمَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إِيقَاعُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ التَّشَهُّدِ الَّذِي تَقَدَّمَ تَعْلِيمُهُ لَهُمْ، وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ

خَارِجَ الصَّلَاةِ فَهُوَ بِعِيدٌ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَيْسَ فِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِهِ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ، وَقَدْ كَثُرَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَقَرَّرَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَيْسَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَجِبَ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ، إِنْ أَرَادَ بِهِ عَيْنًا فَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنْ تَجِبَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، وَزَعَمَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ هُوَ الْمُسْتَدِلُّ بِذَلِكَ، وَرَدَّهُ بِنَحْوِ مَا رَدَّ بِهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَلَمْ يُصِبْ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ، وَالَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فَلَمْ يَكُنْ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ أَوْلَى مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ، وَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عَنِ النَّبِيِّ بِذَلِكَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،