للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ - يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ -؟ قَالَ: تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ الْحَدِيثَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ

عُجْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، الْحَدِيثَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقُولَ التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَقَدْ تَعَقَّبَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ مِنْ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: ضَعْفُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، وَالْكَلَامُ فِيهِ مَشْهُورٌ.

الثَّانِي: عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَائِلِ يَعْنِي.

الثَّالِثَ: قَوْلُهُ فِي الثَّانِي: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ: فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهُوَ احْتِمَالٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّرُقِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ لَا عَنْ مَحَلِّهَا.

الرَّابِعُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ خُصُوصًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ أَطْنَبَ قَوْمٌ فِي نِسْبَةِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ إِلَى الشُّذُوذِ، مِنْهُمْ: أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْخَطَّابِيُّ، وَأَوْرَدَ عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ مَقَالَاتِهِمْ، وَعَابَ عَلَيْهِ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ كِتَابِهِ يَقْتَضِي تَصْوِيبَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ تَعْظِيمِ الْمُصْطَفَى، وَقَدِ اسْتَحْسَنَ هُوَ الْقَوْلَ بِطَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ، مَعَ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ، لَكِنَّهُ اسْتَجَادَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي تَعْظِيمِهِ، وَانْتَصَرَ جَمَاعَةٌ لِلشَّافِعِيِّ، فَذَكَرُوا أَدِلَّةً نَقْلِيَّةً وَنَظَرِيَّةً، وَدَفَعُوا دَعْوَى الشُّذُوذِ، فَنَقَلُوا الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَتَشَهَّدُ الرَّجُلُ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَهَذَا أَقْوَى شَيْءٍ يُحْتَجُّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَّمَهُمُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ فَلَمَّا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّعَاءِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى زِيَادَةِ ذَلِكَ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ، وَانْدَفَعَتْ حُجَّةُ مَنْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي دَفْعِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ مَا ذَكَرَ عِيَاضٌ، قَالَ: وَهَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي عَلَّمَهُ لَهُ النَّبِيُّ -

لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ لَكِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُدْرَجَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَرَدَتْ بَعْدَ تَعْلِيمِ التَّشَهُّدِ، وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، انْتَهَى.

وَوَرَدَ لَهُ شَاهِدٌ مَرْفُوعٌ فِي جُزْءِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ وَأَخْرَجَ الْعُمَرِيُّ فِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، قَالَ: لَا تَكُونُ صَلَاةٌ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ وَتَشَهُّدٍ وَصَلَاةٍ عَلَيَّ، وَأَخَرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ فِي التَّشَهُّدِ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، قَالَ: كُنَّا نَعْلَمُ التَّشَهُّدَ، فَإِذَا قَالَ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَحْمَدُ رَبِّهِ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، بَلْ جَاءَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، وَعَنْ إِسْحَاقَ الْجَزْمُ بِهِ فِي الْعَمْدِ، فَقَالَ: إِذَا تَرَكَهَا يُعِيدُ، وَالْخِلَافُ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى الصَّحِيحِ، فَقَالَ شَارِحُهُ ابْنُ