للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَا يَكُونُ إِلَّا مُؤْمِنًا وَالْمُؤْمِنُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَدَّهَا مُعْتَقِدًا ; لِأَنَّ الدَّهْرِيَّ لَا يَعْتَرِفُ بِالْخَالِقِ وَالْفَلْسَفِيُّ لَا يَعْتَرِفُ بِالْقَادِرِ.

وَقِيلَ: أَحْصَاهَا يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ وَإِعْظَامَهُ.

وَقِيلَ: مَعْنَى أَحْصَاهَا عَمِلَ بِهَا فَإِذَا قَالَ الْحَكِيمُ مَثَلًا سَلَّمَ جَمِيعَ أَوَامِرِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهَا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَإِذَا قَالَ الْقُدُّوسُ اسْتَحْضَرَ كَوْنَهُ مُنَزَّهًا عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْوَفَا بْنِ عُقَيْلٍ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: طَرِيقُ الْعَمَلِ بِهَا أَنَّ الَّذِي يُسَوَّغُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِيهَا كَالرَّحِيمِ وَالْكَرِيمِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى حِلَاهَا عَلَى عَبْدِهِ فَلْيُمَرِّنِ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَصِحَّ لَهُ الِاتِّصَافُ بِهَا، وَمَا كَانَ يَخْتَصُّ بِاللَّهِ - تَعَالَى - كَالْجَبَّارِ وَالْعَظِيمِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْإِقْرَارُ بِهَا وَالْخُضُوعُ لَهَا وَعَدَمُ التَّحَلِّي بِصِفَةٍ مِنْهَا، وَمَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْوَعْدِ نَقِفُ مِنْهُ عِنْدَ الطَّمَعِ وَالرَّغْبَةِ، وَمَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْوَعِيدِ نَقِفُ مِنْهُ عِنْدَ الْخَشْيَةِ وَالرَّهْبَةِ، فَهَذَا مَعْنَى أَحْصَاهَا وَحَفِظَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ حَفِظَهَا عَدًّا وَأَحْصَاهَا سَرْدًا وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا يَكُونُ كَمَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ الْخَبَرُ فِي الْخَوَارِجِ: أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ.

قُلْتُ: وَالَّذِي ذَكَرَهُ مَقَامَ الْكَمَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُرَدَّ الثَّوَابُ لِمَنْ حَفِظَهَا وَتَعَبَّدَ بِتِلَاوَتِهَا وَالدُّعَاءِ بِهَا وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعَاصِي كَمَا يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي قَارِئِ الْقُرْآنِ سَوَاءً فَإِنَّ الْقَارِئَ وَلَوْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَعْصِيَةٍ غَيْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ يُثَابُ عَلَى تِلَاوَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَيْسَ مَا بَحَثَهُ ابْنُ بَطَّالٍ بِدَافِعٍ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ حِفْظُهَا سَرْدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: مَعْنَاهُ حَفِظَهَا، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِثُبُوتِهِ نَصًّا فِي الْخَبَرِ. وَقَالَ فِي الْأَذْكَارِ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَمَّا ثَبَتَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَنْ حَفِظَهَا بَدَلَ أَحْصَاهَا اخْتَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْعَدُّ أَيْ مَنْ عَدَّهَا لِيَسْتَوْفِيَهَا حِفْظًا.

قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَجِيئِهِ بِلَفْظِ حَفِظَهَا تَعَيُّنُ السَّرْدِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ بَلْ يَحْتَمِلُ الْحِفْظَ الْمَعْنَوِيَّ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحِفْظِ حِفْظُ الْقُرْآنِ لِكَوْنِهِ مُسْتَوْفِيًا لَهَا فَمَنْ تَلَاهُ وَدَعَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ حَصَّلَ الْمَقْصُودُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ تَتَبَّعَهَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْنَى أَحْصَاهَا عَدَّهَا وَحَفِظَهَا وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الْإِيمَانَ بِهَا وَالتَّعْظِيمَ لَهَا وَالرَّغْبَةَ فِيهَا وَالِاعْتِبَارَ بِمَعَانِيهَا، وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ عَدَّهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعُدُّهَا الْفَاجِرُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْعَمَلُ بِهَا، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: الْإِحْصَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ هُوَ التَّعْدَادَ وَإِنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ وَالتَّعَقُّلُ بِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالْإِيمَانُ بِهَا، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ: مِنْ تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَصِفَاتِهِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الدَّاعِي وَالْحَافِظُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَمَا تَتَضَمَّنُ مِنَ الْفَوَائِدِ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقَائِقِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَلَا مُسْتَفِيدًا بِذِكْرِهَا مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ مَعْدٍ: يَحْتَمِلُ الْإِحْصَاءُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ تَتَبُّعُهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى يَحْصُلَ عَلَيْهَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَحْفَظَهَا بَعْدَ أَنْ يَجِدَهَا مُحْصَاةً.

قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَنْ حَفِظَهَا قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ أَوَّلًا قَوْلَهُ: مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَوَكَّلَ الْعُلَمَاءَ إِلَى الْبَحْثِ عَنْهَا ثُمَّ يَسَّرَ عَلَى الْأُمَّةِ الْأَمْرَ فَأَلْقَاهَا إِلَيْهِمْ مُحْصَاةً، وَقَالَ: مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ.

قُلْتُ: وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى وَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ ذَاكَ وَمَخْرَجُ اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ؟ وَهُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالِاخْتِلَافُ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْهُ فِي أَيِّ اللَّفْظَيْنِ قَالَهُ.

قَالَ: وَلِلْإِحْصَاءِ مَعَانٍ أُخْرَى مِنْهَا الْإِحْصَاءُ الْفِقْهِيُّ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَعَانِيهَا مِنَ اللُّغَةِ وَتَنْزِيهُهَا عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي تَحْمِلُهَا الشَّرِيعَةُ، وَمِنْهَا الْإِحْصَاءُ النَّظَرِيُّ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ مَعْنَى كُلَّ اسْمٍ بِالنَّظَرِ فِي الصِّيغَةِ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِأَثَرِهِ السَّارِي