النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَقُولُ: يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَقَالَ: قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ وَاحْتَجَّ لَهُ الْفَخْرُ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْإِلَهِيَّةِ ; لِأَنَّ فِي الْجَلَالَ إِشَارَةً إِلَى جَمِيعِ السُّلُوبِ، وَفِي الْإِكْرَامِ إِشَارَةً إِلَى جَمِيعِ الْإِضَافَاتِ.
التَّاسِعُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ السَّنَدُ مِنْ جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ.
الْعَاشِرُ: رَبِّ رَبِّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: اسْمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ: رَبِّ رَبِّ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَائِشَةَ: إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: لَبَّيْكَ عَبْدِي، سَلْ تُعْطَ رَوَاهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا.
الْحَادِيَ عَشَرَ: دَعْوَةُ ذِي النُّونِ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَفَعَهُ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: ﴿لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: نَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ، عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعَلِّمَهُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، فَرَأَى فِي النَّوْمِ هُوَ اللَّهُ اللَّهُ اللَّهُ، الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: هُوَ مَخْفِيٌّ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ لَمَّا دَعَتْ بِبَعْضِ الْأَسْمَاءِ وَبِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فَقَالَ لَهَا ﷺ: إِنَّهُ لَفِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي دَعَوْتِ بِهَا.
الرَّابِعَ عَشَرَ: كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ نَقَلَهُ عِيَاضٌ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا.
وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِكُلِّ اسْمٍ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، وَهُوَ وَجْهٌ غَرِيبٌ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَنَعَ الْأَكْثَرُ لِقولِهِ ﷺ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الذَّاتُ لَا خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ، وَإِلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَابْنُ حَزْمٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ أَيْضًا، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْأَسْمَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مَا يَخْتَصُّ بِاللَّهِ كَالْجَلَالَةِ وَالرَّحْمَنِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَهَذَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إِذَا أُطْلِقَ، وَلَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَ اللَّهِ. ثَانِيهَا: مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ لَكِنَّ الْغَالِبَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُقَيَّدُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّقْيِيدِ، كَالْجَبَّارِ وَالْحَقِّ وَالرَّبِّ وَنَحْوِهَا، فَالْحَلِفُ بِهِ يَمِينٌ، فَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ.
ثَالِثُهَا: مَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَالْحَيِّ وَالْمُؤْمِنِ، فَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ اللَّهِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَى اللَّهَ - تَعَالَى - فَوَجْهَانِ: صَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَكَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَخَالَفَ فِي الشَّرْحَيْنِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ. وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَةَ: فِي الْمُحَرَّرِ إِنَّهَا يَمِينٌ.
قَوْلُهُ: مَنْ حَفِظَهَا هَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَوَافَقَهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَكَذَا عَمْرٌو النَّاقِدُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ مَنْ أَحْصَاهَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشُّرُوطِ، وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْإِحْصَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنْ يَعُدَّهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِهَا، لَكِنْ يَدْعُو اللَّهَ بِهَا كُلَّهَا وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِجَمِيعِهَا، فَيَسْتَوْجِبُ الْمَوْعُودَ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ. ثَانِيهَا: الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ الْإِطَاقَةُ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ وَمِنْهُ حَدِيثُ اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا أَيْ لَنْ تَبْلُغُوا كُنْهَ الِاسْتِقَامَةِ، وَالْمَعْنَى: مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا، وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ مَعَانِيَهَا فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ بِوَاجِبِهَا، فَإِذَا قَالَ الرَّزَّاقُ وَثِقَ بِالرِّزْقِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَسْمَاءِ.
ثَالِثُهَا: الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ الْإِحَاطَةُ بِمَعَانِيهَا، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: فُلَانٌ ذُو حَصَاةٍ، أَيْ ذُو عَقْلٍ وَمَعْرِفَةٍ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَرْجُوُّ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ إِحْصَاءُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَلَى إِحْدَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ مَعَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ الثَّلَاثَةُ لِلسَّابِقِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَأَصْحَابِ الْيَمِينِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى أَحْصَاهَا عَرَفَهَا ; لِأَنَّ الْعَارِفَ بِهَا