مَا يَلِيقُ بِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: إِنْ وَرَدَ السَّمْعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ أُطْلِقَ مَا وَرَدَ مِنْهُ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالِاشْتِقَاقِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ - ﴿يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ فَلَا يَجُوزُ مَاكِرٌ وَمُسْتَهْزِئٌ.
(تَكْمِيل): وَإِذْ قَدْ جَرَى ذِكْرُ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فَلْيَقَعِ الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ قَوْمٌ كَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمَا، كَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضُ الْأَسْمَاءِ عَلَى بَعْضٍ، وَنَسَبَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِمَالِكٍ؛ لِكَرَاهِيَتِهِ أَنْ تُعَادَ سُورَةٌ أَوْ تُرَدَّدُ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ؛ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَيُؤْذِنُ ذَلِكَ بِاعْتِقَادِ نُقْصَانِ الْمَفْضُولِ عَنِ الْأَفْضَلِ. وَحَمَلُوا مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْظَمِ الْعَظِيمُ، وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كُلَّهَا عَظِيمَةٌ، وَعِبَارَةُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ: اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي تَعْيِينِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَالَّذِي عِنْدِي: أَنَّ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ؛ إِذْ لَمْ يَرِدْ فِي خَبَرٍ مِنْهَا أَنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: كُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - يَجُوزُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ أَعْظَمَ، فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى عَظِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: الْأَعْظَمِيَّةُ الْوَارِدَةُ فِي الْأَخْبَارِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا مَزِيدُ ثَوَابٍ الدَّاعِي بِذَلِكَ، كَمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَزِيدُ ثَوَابِ الْقَارِئِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ كُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - دَعَا الْعَبْدُ بِهِ مُسْتَغْرِقًا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي فِكْرِهِ حَالَتَئِذٍ غَيْرُ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَإِنَّ مَنْ تَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ اسْتُجِيبَ لَهُ. وَنُقِلَ مَعْنَى هَذَا عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَعَنِ الْجُنَيْدِ وَعَنْ غَيْرِهِمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: اسْتَأْثَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِعِلْمِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَأَثْبَتَهُ آخَرُونَ مُعَيَّنًا، وَاضْطَرَبُوا فِي ذَلِكَ. وَجُمْلَةُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلًا:
الْأَوَّلُ: الِاسْمُ الْأَعْظَمُ هُوَ نَقَلَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكَشْفِ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ كَلَامٍ مُعَظِّمٍ حَضْرَتَهُ، لَمْ يَقُلْ لَهُ أَنْتَ قُلْتَ كَذَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ هُوَ يَقُولُ تَأَدُّبًا مَعَهُ.
الثَّانِي: اللَّهُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَمِنْ ثَمَّ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ.
الثَّالِثُ: اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَلَعَلَّ مُسْتَنَدَهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يُعَلِّمَهَا الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَصَلَّتْ وَدَعَتْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ اللَّهَ، وَأَدْعُوكَ الرَّحْمَنَ، وَأَدْعُوكَ الرَّحِيمَ، وَأَدْعُوكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى كُلِّهَا، مَا عَلِمْتَ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّهُ ﷺ قَالَ لَهَا إِنَّهُ لَفِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي دَعَوْتَ بِهَا قُلْتُ: وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى.
الرَّابِعُ: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لِمَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ وَفَاتِحَةُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ.
الْخَامِسُ: الْحَيُّ الْقَيُّومُ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: الِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي ثَلَاثِ سُوَرٍ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطَه قَالَ الْقَاسِمُ الرَّاوِي، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: الْتَمَسْتُهُ مِنْهَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَقَوَّاهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ مِنْ صِفَاتِ الْعَظَمَةِ بِالرُّبُوبِيَّةِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرِهِمَا كَدَلَالَتِهِمَا.
السَّادِسُ: الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَرَدَ ذَلِكَ مَجْمُوعًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْحَاكِمِ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
السَّابِعُ: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ طَيِّئٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، قَالَ كُنْتُ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُرِيَنِي الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، فَأُرِيتُهُ مَكْتُوبًا فِي الْكَوَاكِبِ فِي السَّمَاءِ.
الثَّامِنُ: ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ سَمِعَ