للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أضرُبٍ:

الْأَوَّلُ: مَا يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ مُجَرَّدَةً كَالْجَلَالَةِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ وَبِهِ يُعْرَفُ جَمِيعُ أَسْمَائِهِ، فَيُقَالُ الرَّحْمَنُ مَثَلًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَلَا يُقَالُ اللَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ غَيْرُ مُشْتَقٍّ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ.

الثَّانِي: مَا يَدُلُّ عَلَى الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لِلذَّاتِ، كَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ.

الثَّالِثُ: مَا يَدُلُّ عَلَى إِضَافَةِ أَمْرٍ مَا إِلَيْهِ، كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ.

الرَّابِعُ: مَا يَدُلُّ عَلَى سَلْبِ شَيْءٍ عَنْهُ، كَالْعَلِيِّ وَالْقُدُّوسِ.

وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ مُنْحَصِرَةٌ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ مِنَ الْأَفْعَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ أَسْمَاءً إِلَّا إِذَا وَرَدَ نَصٌّ إِمَّا فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ. فَقَالَ الْفَخْرُ: الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ: إِذَا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ اللَّهِ، جَازَ إِطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْغَزَالِيُّ: الْأَسْمَاءُ تَوْقِيفِيَّةٌ، دُونَ الصِّفَاتِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَاحْتَجَّ الْغَزَالِيُّ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُسَمِّيَ رَسُولَ اللَّهِ بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّهِ بِهِ أَبُوهُ، وَلَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ، وَكَذَا كُلُّ كَبِيرٍ مِنَ الْخَلْقِ، قَالَ: فَإِذَا امْتَنَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ، فَامْتِنَاعُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْلَى. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمٌ وَلَا صِفَةٌ تُوهِمُ نَقْصًا وَلَوْ وَرَدَ ذَلِكَ نَصًّا، فَلَا يُقَالُ: مَاهِدٌ وَلَا زَارِعٌ وَلَا فَالِقٌ وَلَا نَحْوُ ذَلِكَ، وَإِنْ ثَبَتَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾، ﴿أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾، ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ وَنَحْوُهَا. وَلَا يُقَالُ لَهُ: مَاكِرٌ وَلَا بَنَّاءٌ وَإِنْ وَرَدَ ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾، ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا﴾ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ: الْأَسْمَاءُ تُؤْخَذُ تَوْقِيفًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَكُلُّ اسْمٍ وَرَدَ فِيهَا وَجَبَ إِطْلَاقُهُ فِي وَصْفِهِ، وَمَا لَمْ يَرِدْ لَا يَجُوزُ وَلَوْ صَحَّ مَعْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ.

وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا أَذِنَ الشَّرْعُ أَنْ يُدْعَى بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَقًّا أَوْ غَيْرَ مُشْتَقٍّ فَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَدْخُلُهُ التَّأْوِيلُ أَوْ لَا فَهُوَ مِنْ صِفَاتِهِ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمًا أَيْضًا، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى تَنْقَسِمُ إِلَى الْعَقَائِدِ الْخَمْسِ:

الْأُولَى: إِثْبَاتُ الْبَارِي؛ رَدًّا عَلَى الْمُعَطِّلِينَ، وَهِيَ: الْحَيُّ وَالْبَاقِي وَالْوَارِثُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا.

وَالثَّانِيَةُ: تَوْحِيدُهُ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَهِيَ الْكَافِي وَالْعَلِيُّ وَالْقَادِرُ وَنَحْوُهَا.

وَالثَّالِثَةُ: تَنْزِيهُهُ رَدًّا عَلَى الْمُشَبِّهَةِ وَهِيَ الْقُدُّوسُ وَالْمَجِيدُ وَالْمُحِيطُ وَغَيْرُهَا.

وَالرَّابِعَةُ: اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنِ اخْتِرَاعِهِ رَدًّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ وَهِيَ الْخَالِقُ وَالْبَارِئُ وَالْمُصَوِّرُ وَالْقَوِيُّ وَمَا يَلْحَقُ بِهَا.

وَالْخَامِسَةُ: أَنَّهُ مُدَبِّرٌ لِمَا اخْتَرَعَ وَمُصَرِّفُهُ عَلَى مَا شَاءَ وَهُوَ الْقَيُّومُ وَالْعَلِيمُ وَالْحَكِيمُ وَشِبْهُهَا.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ مَعْدٍ: مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ عَيْنًا وَهُوَ اللَّهُ، وَعَلَى الذَّاتِ مَعَ سَلْبٍ كَالْقُدُّوسِ وَالسَّلَامِ، وَمَعَ إِضَافَةٍ كَالْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَمَعَ سَلْبٍ وَإِضَافَةٍ كَالْمَلِكِ وَالْعَزِيزِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى صِفَةٍ كَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، وَمَعَ إِضَافَةٍ كَالْحَلِيمِ وَالْخَبِيرِ، أَوْ إِلَى الْقُدْرَةِ مَعَ إِضَافَةٍ كَالْقَهَّارِ، وَإِلَى الْإِرَادَةِ مَعَ فِعْلٍ وَإِضَافَةٍ كَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَمَا يَرْجِعُ إِلَى صِفَةِ فِعْلٍ كَالْخَالِقِ وَالْبَارِئِ، وَمَعَ دَلَالَةٍ عَلَى الْفِعْلِ كَالْكَرِيمِ وَاللَّطِيفِ. قَالَ: فَالْأَسْمَاءُ كُلُّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُتَرَادِفٌ؛ إِذْ لِكُلِّ اسْمٍ خُصُوصِيَّةٌ مَا، وَإِنِ اتَّفَقَ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى. انْتَهَى كَلَامُهُ.

ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ مُنْتَزَعًا مِنْ كَلَامِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى.

وَقَالَ الْفَخْرُ أَيْضًا: الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الصِّفَاتِ ثَلَاثَةٌ: ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ قَطْعًا، وَمُمْتَنِعَةٌ قَطْعًا، وَثَابِتَةٌ لَكِنْ مَقْرُونَةٌ بِكَيْفِيَّةٍ.

فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ، مِنْهُ: مَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ مُفْرَدًا وَمُضَافًا، وهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا، كَالْقَادِرِ وَالْقَاهِرِ. وَمِنْهُ: مَا يَجُوزُ مُفْرَدًا وَلَا يَجُوزُ مُضَافًا إِلَّا بِشَرْطٍ، كَالْخَالِقِ فَيَجُوزُ خَالِقٌ وَيَجُوزُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مَثَلًا، وَلَا يَجُوزُ خَالِقُ الْقِرَدَةِ، وَمِنْهُ: عَكْسُهُ يَجُوزُ مُضَافًا، وَلَا يَجُوزُ مُفْرَدًا، كَالْمُنْشِئِ يَجُوزُ مُنْشِئُ الْخَلْقِ، وَلَا يَجُوزُ مُنْشِئٌ فَقَطْ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: إِنْ وَرَدَ السَّمْعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ أُطْلِقَ وَحُمِلَ عَلَى