هُنَا التَّسْمِيَةُ.
وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الِاسْمَ نَفْسُ الْمُسَمَّى وَغَيْرُ التَّسْمِيَةِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: الِاسْمُ نَفْسُ التَّسْمِيَةِ وَغَيْرُ الْمُسَمَّى، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ أُمُورٌ مُتَبَايِنَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي ; لِأَنَّ الِاسْمَ إِنْ كَانَ عِبَارَةً عَنِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الشَّيْءِ بِالْوَضْعِ وَكَانَ الْمُسَمَّى عِبَارَةً عَنْ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسَمَّى، فَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ حَاصِلٌ بِأَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى، وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ النِّزَاعِ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: الِاسْمُ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ هُوَ الْكَلِمَةُ الدَّالَّةُ عَلَى شَيْءٍ مُفْرَدٍ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ؛ إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَهَا بِاصْطِلَاحِ النُّحَاةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ غَرَضِ الْمَبْحَثِ هُنَا. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا عُرِفَ غَلَطُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى حَقِيقَةً كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْجَهَلَةِ، فَأَلْزَمَ أَنَّ مَنْ قَالَ: نَارٌ احْتَرَقَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا النُّحَاةُ فَمُرَادُهُمْ بِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يَقْصِدُ إِلَّا هُوَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الِاسْمُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَاتِ الْمُسَمَّى، دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مَزِيدِ أَمْرٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ، دَلَّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الذَّاتِ مَنْسُوبَةٌ إِلَى ذَلِكَ الزَّائِدِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ زَيْدٌ مَثَلًا فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُتَشَخِّصَةٍ فِي الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، فَإِنْ قُلْتَ: الْعَالِمُ دَلَّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الذَّاتِ مَنْسُوبَةٌ لِلْعِلْمِ، وَمِنْ هَذَا صَحَّ عَقْلًا أَنْ تَتَكَثَّرَ الْأَسْمَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا تُوجِبُ تَعَدُّدًا فِيهَا وَلَا تَكْثِيرًا. قَالَ: وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى بَعْضِهِمْ، فَفَرَّ مِنْهُ هَرَبًا مِنْ لُزُومِ تَعَدُّدٍ فِي ذَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ التَّسْمِيَةُ، وَرَأَى أَنَّ هَذَا يُخَلِّصُهُ مِنَ التَّكَثُّرِ، وَهَذَا فِرَارٌ مِنْ غَيْرِ مَفَرٍّ إِلَى مَفَرٍّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ إِنَّمَا هِيَ وَضْعُ الِاسْمِ، وَذِكْرُ الِاسْمِ فَهِيَ نِسْبَةُ الِاسْمِ إِلَى مُسَمَّاهُ، فَإِذَا قُلْنَا: لِفُلَانٍ تَسْمِيَتَانِ، اقْتَضَى أَنَّ لَهُ اسْمَيْنِ نَنْسُبُهُمَا إِلَيْهِ، فَبَقِيَ الْإِلْزَامُ عَلَى حَالِهِ مِنِ ارْتِكَابِ التَّعَسُّفِ. ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى عَلَى إِرَادَةِ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ الِاسْمُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْمُسَمَّى، كَمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ أَيْ سَبِّحْ رَبَّكَ، فَأُرِيدَ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى. وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا سَمَّيْتَ شَيْئًا بِاسْمٍ فَالنَّظَرُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: ذَلِكَ الِاسْمُ وَهُوَ اللَّفْظُ، وَمَعْنَاهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ، وَمَعْنَاهُ بَعْدَهَا وَهُوَ الذَّاتُ الَّتِي أُطْلِقَ عَلَيْهَا اللَّفْظُ، وَالذَّاتُ وَاللَّفْظُ مُتَغَايِرَانِ قَطْعًا، وَالنُّحَاةُ إِنَّمَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَمًّى قَطْعًا وَالذَّاتُ هِيَ الْمُسَمَّى قَطْعًا، وَلَيْسَتْ هِيَ الِاسْمَ قَطْعًا.
وَالْخِلَافُ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثِ، وَهُوَ مَعْنَى اللَّفْظِ قَبْلَ التَّلْقِيبِ، فَالْمُتَكَلِّمُونَ يُطْلِقُونَ الِاسْمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ الثَّالِثُ أَوْ لَا؟ فَالْخِلَافُ حِينَئِذٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الِاسْمِ الْمَعْنَوِيِّ: هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا، لَا فِي الِاسْمِ اللَّفْظِيِّ وَالنَّحْوِيُّ، لَا يُطْلِقُ الِاسْمَ عَلَى غَيْرِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ مَحَطُّ صِنَاعَتِهِ، وَالْمُتَكَلِّمُ لَا يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَمْنَعُ إِطْلَاقَ اسْمِ الْمَدْلُولِ عَلَى الدَّالِّ، وَإِنَّمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ دَعَاهُ إِلَى تَحْقِيقِهِ ذِكْرُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَإِطْلَاقُهَا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى -. قَالَ: وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: جَعْفَرٌ لَقَبُهُ أَنْفُ النَّاقَةِ، فَالنَّحْوِيُّ يُرِيدُ بِاللَّقَبِ لَفْظَ أَنْفِ النَّاقَةِ، وَالْمُتَكَلِّمُ يُرِيدُ مَعْنَاهُ وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَوْلَ النَّحْوِيِّ: اللَّقَبُ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِضِعَةٍ أَوْ رِفْعَةٍ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يُشْعِرُ بِذَلِكَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُقْتَضِي لِلضَّعَةِ وَالرِّفْعَةِ، وَذَاتُ جَعْفَرٍ هِيَ الْمُلَقَّبَةُ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرُ الْمُسَمَّى خَاصٌّ بِأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ الْمُشْتَقَّةِ.
ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَأَسْمَاءُ اللَّهِ - وَإِنْ تَعَدَّدَتْ - فَلَا تَعَدُّدَ فِي ذَاتِهِ، وَلَا تَرْكِيبَ، لَا مَحْسُوسًا كَالْجِسْمِيَّاتِ، وَلَا عَقْلِيًّا كَالْمَحْدُودَاتِ، وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتِ الْأَسْمَاءُ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى الذَّاتِ، ثُمَّ هِيَ مِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute