الْأَسْمَاءُ لَمْ يُعَدَّ فِيهَا الْوَتْرُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ اسْمًا آخَرَ غَيْرَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ. وَتَعَقَّبَهُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْحَصْرِ فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ كَابْنِ حَزْمٍ: بِأَنَّ الْخَبَرَ الْوَارِدَ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُدْرَجٌ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ الْحَصْرِ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ عَدَدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَابْنُ حَزْمٍ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْحَصْرِ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ أَصْلًا، وَلَكِنَّهُ احْتَجَّ بِالتَّأْكِيدِ فِي قَوْلِهِ ﷺ مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِائَةُ اسْمٍ، فَيَبْطُلُ قَوْلُهُ مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ الْحَصْرَ الْمَذْكُورَ عِنْدَهُمْ بِاعْتِبَارِ الْوَعْدِ الْحَاصِلِ لِمَنْ أَحْصَاهَا، فَمَنِ ادَّعَى عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ وَقَعَ لِمَنْ أَحْصَى زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ اسْمٌ زَائِدٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: مِنَ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَائِهِ تَسْمِيَتُهُ بِمَا لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ مِنْهَا فِي آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ عِدَّةً، وَخَتَمَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى. قَالَ: وَمَا يُتَخَيَّلُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الْعِدَّةِ الْمَذْكُورِةِ لَعَلَّهُ مُكَرَّرٌ مَعْنًى، وَإِنْ تَغَايَرَ لَفْظًا، كَالْغَافِرِ وَالْغَفَّارِ وَالْغَفُورِ مَثَلًا، فَيَكُونُ الْمَعْدُودُ مِنْ ذَلِكَ وَاحِدًا فَقَطْ، فَإِذَا اعْتُبِرَ ذَلِكَ وَجُمِعَتِ الْأَسْمَاءُ الْوَارِدَةُ نَصًّا فِي الْقُرْآنِ وَفِي الصَّحِيحِ مِنَ الْحَدِيثِ لَمْ تَزِدْ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، فَإِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ الْوَارِدُ فِي تَعْيِينِهَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَلْيُتَتَبَّعْ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ؛ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْأَسْمَاءِ لِلْعَهْدِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْمَعْهُودِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ بِهَا وَنَهَى عَنِ الدُّعَاءِ بِغَيْرِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
قُلْتُ: وَالْحَوَالَةُ عَلَى الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَقْرَبُ، وَقَدْ حَصَلَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَتَبُّعُهَا كَمَا قَدَّمْتُهُ، وَبَقِيَ أَنْ يُعْمَدَ إِلَى مَا تَكَرَّرَ لَفْظًا وَمَعْنًى مِنَ الْقُرْآنِ فَيُقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَيُتَتَبَّعَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَكْمِلَةُ الْعِدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَهُوَ نَمَطٌ آخَرُ مِنَ التَّتَبُّعِ. عَسَى اللَّهُ أَنْ يُعِينَ عَلَيْهِ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، آمِينَ. (فَصْل) وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي الْقَصْرِ عَلَى الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ، فَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، كَمَا قِيلَ فِي عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي خَلَفٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّبَرِيِّ السُّلَمِيِّ قَالَ: إِنَّمَا خَصَّ هَذَا الْعَدَدَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَسْمَاءَ لَا تُؤْخَذُ قِيَاسًا. وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ مَعَانِيَ الْأَسْمَاءِ - وَلَوْ كَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا - مَوْجُودَةٌ فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الْمَذْكُورَةِ. وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْعَدَدَ زَوْجٌ وَفَرْدٌ، وَالْفَرْدُ أَفْضَلُ مِنَ الزَّوْجِ، وَمُنْتَهَى الْأَفْرَادِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ؛ لِأَنَّ مِائَةً وَوَاحِدًا يَتَكَرَّرُ فِيهِ الْوَاحِدُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْفَرْدُ أَفْضَلَ مِنَ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْوَتْرَ أَفْضَلُ مِنَ الشَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْوَتْرَ مِنْ صِفَةِ الْخَالِقِ وَالشَّفْعَ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ، وَالشَّفْعُ يَحْتَاجُ لِلْوَتْرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَقِيلَ: الْكَمَالُ فِي الْعَدَدِ حَاصِلٌ فِي الْمِائَةِ لِأَنَّ الْأَعْدَادَ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ: آحَادٌ وَعَشْرَاتٌ وَمِئَاتٌ، وَالْأَلْفُ مُبْتَدَأٌ لِآحَادٍ أُخَرَ، فَأَسْمَاءُ اللَّهِ مِائَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ مِنْهَا بِوَاحِدٍ، وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مِائَةٌ، لَكِنْ وَاحِدٌ مِنْهَا عِنْدَ اللَّهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ الِاسْمُ الَّذِي يُكْمِلُ الْمِائَةَ مَخْفِيًّا، بَلْ هُوَ الْجَلَالَةُ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ السُّهَيْليُّ فَقَالَ: الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى مِائَةٌ عَلَى عَدَدِ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ، وَالَّذِي يُكْمِلُ الْمِائَةَ: اللَّهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ فَالتِّسْعَةُ وَالتِّسْعُونَ لِلَّهِ فَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ وَبِهِ تَكْمُلُ الْمِائَةُ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى، حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى فَقَالَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى؛ إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ كَانَتِ الْأَسْمَاءُ غَيْرَهُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ ثُمَّ قَالَ: وَالْمَخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute