دَخَلَتْ فِيهِ شَوْكَةٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهَا بِالْمِنْقَاشِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَلَا انْتَقَشَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَمْ يَقْدِرِ الطَّبِيبُ أَنْ يُخْرِجَهَا.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِمَا يُثَبِّطُهُ عَنِ السَّعْيِ وَالْحَرَكَةِ، وَسَوَّغَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ قَصَرَ عَمَلُهُ عَلَى جَمْعِ الدُّنْيَا، وَاشْتَغَلَ بِهَا عَنِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّشَاغُلِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا خُصَّ انْتِقَاشُ الشَّوْكَةِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنَ الْمُعَاوَنَةِ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ الْأَسْهَلُ انْتَفَى مَا فَوْقَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (إِنْ أُعْطِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ) وَقَعَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ الْوَفَاءِ عِوَضَ الرِّضَا وَأَحَدُهُمَا مَلْزُومٌ لِلْآخَرِ غَالِبًا.
الحديث الثاني.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَطَاءٍ) هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَصَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِسَمَاعِ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ مِنْ عَطَاءٍ، وَهَذَا هُوَ الْحِكْمَةُ فِي إِيرَادِ الْإِسْنَادِ النَّازِلِ عَقِبَ الْعَالِي؛ إِذْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَرِيجٍ فِي الْأَوَّلِ راو وَاحِدٌ، وَفِي الثَّانِي اثْنَانِ، وَفِي السَّنَدِ الثَّانِي أَيْضًا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي آخِرِهِ، وَمُحَمَّدٌ فِي الثَّانِي هُوَ ابْنُ سَلَامٍ، وَقَدْ نُسِبَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ كَذَلِكَ، وَمَخْلَدٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ) هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِسَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَهِيَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَرْوِيِّهِ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمُكْثِرِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَتَحَمُّلُهُ كَانَ أَكْثَرُهُ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ.
قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا) فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ، وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الْبَابِ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي مُرْسَلِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الَّذِي قَدَّمْتُهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي الَّذِي سَأَذْكُرُهُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ مَالٍ فَسَّرَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِقَوْلِهِ: مِنْ ذَهَبٍ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ، وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَزَادَ: وَفِضَّةٍ، وَأَوَّلُهُ مِثْلُ لَفْظِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى، وَلَفْظُهُ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: كُنَّا نَقْرَأُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لَابْتَغَى الثَّالِثَ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ: لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِي نَخْلٍ، وَقَوْلُهُ: لَابْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ افْتَعَلَ بِمَعْنَى الطَّلَبِ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَحَبَّ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: لَتَمَنَّى مِثْلَهُ ثُمَّ تَمَنَّى مِثْلَهُ حَتَّى يَتَمَنَّى أَوْدِيَةً.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ) فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ نَفْسَ بَدَلَ جَوْفَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَالْأَوَّلِ، وَفِي مُرْسَلِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَلَا يُشْبِعُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَوْفَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْبَابِ: وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِيهِ وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَلَهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَلَا يَمْلَأُ بَطْنَ.
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَقِيقَةَ فِي عُضْوٍ بِعَيْنِهِ بِقَرِينَةِ عَدَمِ الِانْحِصَارِ فِي التُّرَابِ إِذْ غَيْرُهُ يَمْلَؤُهُ أَيْضًا، بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلِامْتِلَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَشْبَعُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ، فَالْغَرَضُ مِنَ الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا وَاحِدٌ، وَهِيَ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ.
قُلْتُ: وَهَذَا يَحْسُنُ فِيمَا إِذَا اخْتَلَفَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا إِذَا اتَّحَدَتْ فَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، ثُمَّ نِسْبَةُ الِامْتِلَاءِ لِلْجَوْفِ وَاضِحَةٌ، وَالْبَطْنُ بِمَعْنَاهُ، وَأَمَّا النَّفْسُ فَعَبَّرَ بِهَا عَنِ الذَّاتِ، وَأَطْلَقَ الذَّاتَ وَأَرَادَ الْبَطْنَ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَمِ فَلِكَوْنِهِ الطَّرِيقَ إِلَى الْوُصُولِ لِلْجَوْفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الْعَيْنَ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى مَا يُعْجِبُهُ فَيَطْلُبُهُ لِيَحُوزَهُ إِلَيْهِ، وَخَصَّ الْبَطْنَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَبُ الْمَالُ لِتَحْصِيلِ الْمُسْتَلَذَّاتِ، وَأَكْثَرُهَا يَكُونُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَعَ قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلَأُ إِلَخْ مَوْقِعَ التَّذْيِيلِ وَالتَّقْرِيرِ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا يَشْبَعُ مَنْ خُلِقَ مِنَ