للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِمَكَّةَ فِي ثَرْوَةٍ وَنِعْمَةٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ صَارَ فِي قِلَّةِ، فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَمَا عَلَيْهِ إِلَّا بُرْدَةٌ لَهُ مَرْقُوعَةٌ بِفَرْوَةٍ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا رَآهُ لِلَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ، وَالَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْمَ.

قَوْلُهُ: (قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ)؛ أَيْ شَهِيدًا، وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ.

قَوْلُهُ: (وَتَرَكَ نَمِرَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، ثُمَّ رَاءٍ هِيَ إِزَارٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطٍ أَوْ بُرْدَةٌ.

قَوْلُهُ: (أَيْنَعَتْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ؛ أَيِ انْتَهَتْ وَاسْتَحَقَّتِ الْقَطْفَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَنَعَتْ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهِيَ لُغَةٌ، قَالَ الْقَزَّازُ: وَأَيْنَعَتْ أَكْثَرُ.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ يَهْدِبُهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ؛ أَيْ يَقْطِفُهَا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنَ الصِّدْقِ فِي وَصْفِ أَحْوَالِهِمْ. وَفِيهِ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى مُكَابَدَةِ الْفَقْرِ وَصُعُوبَتِهِ مِنْ مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ. وَفِيهِ أَنَّ الْكَفَنَ يَكُونُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ، وَأَنَّ الْمَيِّتَ يَصِيرُ كُلُّهُ عَوْرَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْكَمَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ خَبَّابٍ تَفْضِيلُ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ هِجْرَتَهُمْ لَمْ تَكُنْ لِدُنْيَا يُصِيبُونَهَا، وَلَا نِعْمَةٍ يَتَعَجَّلُونَهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ لِلَّهِ خَالِصَةً؛ لِيُثِيبَهُمْ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ فَتْحِ الْبِلَادِ تَوَفَّرَ لَهُ ثَوَابُهُ، وَمَنْ بَقِيَ حَتَّى نَالَ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا خَشِيَ أَنْ يَكُونَ عَجَّلَ لَهُمْ أَجْرَ طَاعَتِهِمْ، وَكَانُوا عَلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ أَحْرَصَ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: (سَلْمُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ (ابْنُ زَرِيرٍ) بِزَايٍّ ثُمَّ رَاءٍ وَزْنُ عَظِيمٍ، وَأَبُو رَجَاءٍ هُوَ الْعُطَارِدِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ هَذَا.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ أَيُّوبُ، وَعَوْفٌ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ، وَصَخْرٌ:، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) أَمَّا مُتَابَعَةُ أَيُّوبَ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ عَوْفٍ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ حَمَّادِ بْنِ نَجِيحٍ - وَهُوَ الْإِسْكَافُ - الْبَصْرِيُّ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ وَكِيعٌ، وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ صَخْرٍ - وَهُوَ ابْنُ جُوَيْرِيَةَ - فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْهُ، وَابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، وَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ صَخْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِهِ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ: وَقَالَ أَيُّوبُ:، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَقَالٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا.

وَقَالَ الْخَطِيبُ فِي الْمُدْرَجِ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَسَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ، وَحَمَّادِ بْنِ نَجِيحٍ، وَصَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَمَعَ بَيْنَ: هَؤُلَاءِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَلْمٌ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ، وَلَعَلَّ جَرِيرًا كَذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ بِالْوَجْهَيْنِ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ، فَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَيْسَ قَوْلُهُ: اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ يُوجِبُ فَضْلَ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُقَرَاءَ فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ فَأَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا تَقُولُ: أَكْثَرُ أَهْلِ الدُّنْيَا الْفُقَرَاءُ إِخْبَارًا عَنِ الْحَالِ، وَلَيْسَ