يُرْسِلُ بِبَعْضِ الْهَدِيَّةِ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ أَوْ يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ كَمَا فِي قِصَّةِ الْبَابِ، وَإِنْ حَضَرَهُ أَحَدٌ يُشْرِكُهُ فِي الْهَدِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ فَضْلٌ أَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ أَوْ دَعَاهُمْ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي ذَكَرْتُهُ آنِفًا: وَكُنْتُ فِيمَنْ نَزَلَ الصُّفَّةَ، فَوَافَقْتُ رَجُلًا فَكَانَ يَجْرِي عَلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُلَّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: فَنَزَلْتُ فِي الصُّفَّةِ مَعَ رَجُلٍ فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كُلَّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ تَمْرٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ أَيْضًا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ: فَكَانَ أَوَّلًا يُرْسِلُ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ بِمَا حَضَرَهُ، أَوْ يَدْعُوهُمْ، أَوْ يُفَرِّقُهُمْ عَلَى مَنْ حَضَرَ إِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ مَا يَكْفِيهِمْ، فَلَمَّا فُتِحَتْ فَدَكُ وَغَيْرُهَا صَارَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنَ التَّمْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا ذَكَرَ: وَقَدِ اعْتَنَى بِجَمْعِ أَسْمَاءِ أَهْلِ الصُّفَّةِ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَتَبِعَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمَيُّ، فَزَادَ أَسْمَاءً، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي أَوَائِلِ الْحِلْيَةِ فَسَرَدَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِي فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَهُمْ فِي هَذَا الْعَدَدِ، وَإِنَّمَا هِيَ عِدَّةُ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِلَّا فَمَجْمُوعُهُمْ أَضْعَافُ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا مِنِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ.
قَوْلُهُ: (فَسَاءَنِي ذَلِكَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَاللَّهِ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: ادْعُهُمْ لِي وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَقُلْتُ)؛ أَيْ فِي نَفْسِي (وَمَا هَذَا اللَّبَنُ)؟ أَيْ مَا قَدْرُهُ (فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ)؟ وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بِحَذْفِ الْوَاوِ، زَادَ فِي رِوَايَتِهِ وَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَأَيْنَ يَقَعُ هَذَا اللَّبَنُ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَأَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ؟ وَهُوَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالتَّقْدِيرُ: وَأَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ مَعَهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا)، زَادَ فِي رِوَايَةِ رَوْحَ يَوْمِي وَلَيْلَتِي.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا جَاءَ) كَذَا فِيهِ بِالْإِفْرَادِ؛ أَيْ مَنْ أَمَرَنِي بِطَلَبِهِ وَلِلْأَكْثَرِ فَإِذَا جَاءُوا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.
قَوْلُهُ: (أَمَرَنِي)؛ أَيِ النَّبِيُّ ﷺ فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَكَأَنَّهُ عَرَفَ بِالْعَادَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُلَازِمُ النَّبِيَّ ﷺ وَيَخْدُمُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ جَعْفَرٍ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِسْكِينًا لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالَ، وَكَانَ يَدُورُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَيْثُمَا دَارَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِشِبَعِ بَطْنِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ: فَسَيَأْمُرُنِي أَنْ أُدِيرَهُ عَلَيْهِمْ فَمَا عَسَى أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ، وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنْهُ مَا يُغْنِينِي؛ أَيْ عَنْ جُوعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا)؛ أَيْ يَصِلُ إِلَيَّ بَعْدَ أَنْ يَكْتَفُوا مِنْهُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَفْظُ: عَسَى زَائِدٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدٌّ) يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾
قَوْلُهُ: (فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِتْيَانَ وَالدَّعْوَةَ وَقَعَ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ عَطْفٌ عَلَى جَوَابِ فَإِذَا جَاءُوا فَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ قُلْتُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ.
قَوْلُهُ: (فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ)؛ أَيْ فَقَعَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى عَدَدِهِمْ إِذْ ذَاكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمَيَّ، وَأَبَا سَعِيدِ بْنَ الْأَعْرَابِيِّ، وَالْحَاكِمَ اعْتَنَوْا بِجَمْعِ أَسْمَائِهِمْ، فَذَكَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الْآخَرُ، وَجَمَعَ الْجَمِيعَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَعِدَّتُهُمْ تَقْرُبُ مِنَ الْمِائَةِ لَكِنَّ الْكَثِيرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ، وَقَدْ بَيَّنَ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ عَدَدُ أَهْلِ الصُّفَّةِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْحَالِ، فَرُبَّمَا اجْتَمَعُوا فَكَثُرُوا، وَرُبَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute