السَّيْرُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَبِالرَّوَاحِ السَّيْرُ مِنْ أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ النَّهَارِ، وَالدُّلْجَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَبَعْدَ اللَّامِ جِيمٌ سَيْرُ اللَّيْلِ يُقَالُ: سَارَ دُلْجَةً مِنَ اللَّيْلِ؛ أَيْ سَاعَةً فَلِذَلِكَ قَالَ: شَيْئًا مِنَ الدُّلْجَةِ لِعُسْرِ سَيْرِ جَمِيعِ اللَّيْلِ، فَكَأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى صِيَامِ جَمِيعِ النَّهَارِ، وَقِيَامِ بَعْضِ اللَّيْلِ، وَإِلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ أَوْجُهِ الْعِبَادَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ فِي الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّرْجَمَةِ، وَعَبَّرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى السَّيْرِ؛ لِأَنَّ الْعَابِدَ كَالسَّائِرِ إِلَى مَحَلِّ إِقَامَتِهِ وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَشَيْئًا مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيِ افْعَلُوا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي بَابِ الدِّينُ يُسْرٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ؛ أَيِ الْزَمُوا الطَّرِيقَ الْوَسَطَ الْمُعْتَدِلَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: كَانَتْ خُطْبَتُهُ قَصْدًا؛ أَيْ لَا طَوِيلَةً وَلَا قَصِيرَةً، وَاللَّفْظُ الثَّانِي لِلتَّأْكِيدِ، وَوَقَفْتُ عَلَى سَبَبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِرَجُلٍ يُصَلِّي عَلَى صَخْرَةٍ فَأَتَى نَاحِيَةً فَمَكَثَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَجَدَهُ عَلَى حَالِهِ، فَقَامَ فَجَمَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمُ الْقَصْدَ، عَلَيْكُمُ الْقَصْدَ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْأُوَيْسِيُّ، وَسُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: لَمْ أَرَ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بَيْنَ سُلَيْمَانَ، وَمُوسَى. قُلْتُ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، وَالَّذِي زَادَهُ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ زَبَالَةَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَدَنِيِّ، وَهَذَا مِنَ الْأَمْثِلَةِ لِمَا تَعَقَّبْتُهُ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ فِي جَزْمِهِ بِأَنَّ الزِّيَادَاتِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْمُسْتَخْرَجَاتِ تَحْكُمُ بِصِحَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مَخْرَجَ الصَّحِيحِ، وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ أَنَّ الَّذِينَ اسْتَخْرَجُوا لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْتِزَامِ ذَلِكَ، سَلَّمْنَا أَنَّهُمُ الْتَزَمُوا ذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يَفُوا بِهِ، وَهَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ زَبَالَةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) سَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِاتِّصَالِهِ بَعْدَ حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْمَتْنِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَخْ) خَرَّجَ هَذَا جَوَابَ سُؤَالٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الَّذِي بَعْدَهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ قَوْلُهُ: (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيم)؛ أَيِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ شَيْخُهُ هُوَ عَمُّهُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَائِشَةَ) وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرِوَايَةُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَقْوَى لِكَوْنِ أَبِي سَلَمَةَ بَلَدِيَّهُ وَقَرِيبَهُ، بِخِلَافِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْأَمْرَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمَّيِ الْمُؤْمِنِينَ لِاخْتِلَافِ السِّيَاقَيْنِ، فَإِنَّ لَفْظَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بَعْدَ زِيَادَةٍ فِي أَوَّلِهِ: وَكَانَ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُ سِيَاقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ السَّائِلِ عَنْ ذَلِكَ، لَكِنْ … (١).
قَوْلُهُ: (قَالَ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) فِيهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ، وَظَاهِرُهُ السُّؤَالُ عَنْ ذَاتِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَتَطَابَقَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَقَعَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْحَجِّ وَفِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، حَيْثُ أَجَابَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ بِالْبِرِّ إِلَخْ، ثُمَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَمَلٍ يَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مُدَاوَمَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ)؛ أَيِ النَّبِيُّ ﷺ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (اِكْلَفُوا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِضَمِّهَا أَيْضًا، قَالَ ابْنُ التِّينِ:
(١) بياض بأصله.