للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَقْوَالَ وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَسَائِرَ مَا يَتَأَتَّى بِالْفَمِ مِنَ الْفِعْلِ، قَالَ: وَمَنْ تَحَفَّظْ مِنْ ذَلِكَ أَمِنَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا السَّمْعُ وَالْبَصَرُ، كَذَا قَالَ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَقِيَ الْبَطْشُ بِالْيَدَيْنِ، وَإِنَّمَا مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ النُّطْقَ بِاللِّسَانِ أَصْلٌ فِي حُصُولِ كُلِّ مَطْلُوبٍ، فَإِذَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إِلَّا فِي خَيْرٍ سَلِمَ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ أَعْظَمَ الْبَلَاءِ عَلَى الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا لِسَانُهُ وَفَرْجُهُ، فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهُمَا وُقِيَ أَعْظَمَ الشَّرِّ.

قَوْلُهُ: (أَضْمَنْ لَهُ) بِالْجَزْمِ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَفِي رِوَايَةِ خَلِيفَةَ: تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: تَكَفَّلْتُ لَهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ أَبَا حَازِمٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ سَهْلٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَحَسَّنَهُ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ أَبَا حَازِمٍ الرَّاوِيَ عَنْ سَهْلٍ غَيْرُ أَبِي حَازِمٍ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قُلْتُ: وَهُمَا مَدَنِيَّانِ تَابِعِيَّانِ، لَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اسْمُهُ سَلْمَانُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ الرَّاوِي عَنْ سَهْلٍ وَاسْمُهُ سَلَمَةُ، وَلِهَذَا اللَّفْظِ شَاهِدٌ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ فِي الْمُوَطَّأِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَدَبِ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى إِكْرَامِ الضَّيْفِ، وَمَنْعُ أَذَى الْجَارِ، وَفِيهِ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ أَيْضًا هُنَاكَ، وَفِيهِ: فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ، وَفِيهِ إِكْرَامُ الضَّيْفِ أَيْضًا، وَتَوْقِيتُ الضِّيَافَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَوْلُهُ: الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ جَائِزَتُهُ، قِيلَ: وَمَا جَائِزَتُهُ؟ قَالَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَدَبِ بِلَفْظِ: فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ، قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ؟ قَالَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَعَلَى مَا هُنَا فَالْمَعْنَى أَعْطُوهُ جَائِزَتَهُ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِالنَّصْبِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِالرَّفْعِ فَالْمَعْنَى تَتَوَجَّهُ عَلَيْكُمْ جَائِزَتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي تَوْجِيهِهِ وَوَقَعَ قَوْلُهُ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ خَبَرًا عَنِ الْجَائِزَةِ، وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ زَمَانُ جَائِزَتِهِ أَوْ تَضْيِيفُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ:

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ حَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

قَوْلُهُ: (ابْنُ أَبِي حَازِمٍ) هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ دِينَارٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيَّ حَدَّثَاهُ عَنْ يَزِيدَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيَّ اقْتَصَرَ عَلَى ابْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ عَنْهُمَا، فَحَذَفَ الْبُخَارِيُّ ذِكْرَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا إِشْكَالَ، وَعَلَى الثَّانِي يَتَوَقَّفُ الْجَوَازُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ لِلِاثْنَيْنِ سَوَاءٌ، وَإنَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ هُوَ لَفْظَ الْمَحْذُوفِ، أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِمَا مُتَّحِدٌ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى، وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدِيثًا جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَهُوَ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ يَزِيدَ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْهَادِ، وَوَقَعَ مَنْسُوبًا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ، وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ، وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ، وَعِيسَى بْنُ طَلْحَةَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَطَلْحَةَ هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِأَبِي ذَرٍّ يَتَكَلَّمُ بِحَذْفِ اللَّامِ.

قَوْلُهُ: (بِالْكَلِمَةِ)؛ أَيِ الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الْخَيْرَ أَوِ الشَّرِّ سَوَاءٌ طَالَ أَمْ قَصُرَ، كَمَا يُقَالُ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ، وَكَمَا يُقَالُ لِلْقَصِيدَةِ كَلِمَةُ فُلَانٍ.

قَوْلُهُ مَا: (يَتَبَيَّنُ فِيهَا)؛ أَيْ لَا يَتَطَلَّبُ مَعْنَاهَا، أَيْ لَا يُثْبِتُهَا بِفِكْرِهِ وَلَا يَتَأَمَّلُهَا حَتَّى يَتَثَبَّتَ فِيهَا فَلَا يَقُولُهَا إِلَّا إِنْ ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي الْقَوْلِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُبَيِّنُهَا بِعِبَارَةٍ وَاضِحَةٍ، وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بَيَّنَ وَتَبَيَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ