الْهَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، وَهَذِهِ أَوْضَحُ، وَمَا الْأُولَى نَافِيَةٌ، ومَا الثَّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا يَتَّقِي بِهَا وَمَعْنَاهَا يَؤولُ لِمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (يَزِلُّ بِهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الزَّايِ بَعْدَهَا لَامٌ أَيْ يَسْقُطُ.
قَوْلُهُ: (أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَعَتْ لَنَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ بِلَفْظِ: أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ بَطَّالٍ وَشَرَحَهُ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: قَوْلُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ لَفْظُ بَيْنَ يَقْتَضِي دُخُولَهُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ، وَالْمَشْرِقِ مُتَعَدِّدٌ مَعْنًى؛ إِذْ مَشْرِقُ الصَّيْفِ غَيْرُ مَشْرِقِ الشِّتَاءِ وَبَيْنَهُمَا بُعْدٌ كَبِيرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اكْتَفَى بِأَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ مِثْلَ: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ: بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْكَلِمَةُ الَّتِي يَهْوِي صَاحِبُهَا بِسَبَبِهَا فِي النَّارِ هِيَ الَّتِي يَقُولُهَا عِنْدَ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ، وَزَادَ ابْنُ بَطَّالٍ: بِالْبَغْيِ أَوْ بِالسَّعْيِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَتَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْقَائِلُ ذَلِكَ لَكِنَّهَا رُبَّمَا أَدَّتْ إِلَى ذَلِكَ فَيُكْتَبُ عَلَى الْقَائِلِ إِثْمُهَا، وَالْكَلِمَةُ الَّتِي تُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ وَيُكْتَبُ بِهَا الرِّضْوَانُ هِيَ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا عَنِ الْمُسْلِمِ مَظْلِمَةً، أَوْ يُفَرِّجَ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ يَنْصُرَ بِهَا مَظْلُومًا. وَقَالَ غَيْرُهُ فِي الْأُولَى: هِيَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ ذِي السُّلْطَانِ يُرْضِيهِ بِهَا فِيمَا يُسْخِطُ اللَّهَ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: هَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَرُبَّمَا كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِ ذِي السُّلْطَانِ مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ.
وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّلَفُّظُ بِالسُّوءِ وَالْفُحْشُ مَا لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْجَحْدَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الدِّينِ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْخَنَى وَالرَّفَثِ، وَأَنْ تَكُونَ فِي التَّعْرِيضِ بِالْمُسْلِمِ بِكَبِيرَةٍ أَوْ بِمُجُونٍ، أَوِ اسْتِخْفَافٍ بِحَقِّ النُّبُوَّةِ وَالشَّرِيعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي لَا يَعْرِفُ الْقَائِلُ حُسْنَهَا مِنْ قُبْحِهَا، قَالَ: فَيَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْرِفُ حُسْنَهُ مِنْ قُبْحِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي يَجْرِي عَلَى قَاعِدَةٍ مُقَدَّمَةُ الْوَاجِبِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى حِفْظِ اللِّسَانِ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ أَنْ يَتَدَبَّرَ مَا يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَكَلَّمَ وَإِلَّا أَمْسَكَ، قُلْتُ: وَهُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ. (تَنْبِيه): وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ تَأْخِيرُ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الطَّرِيقِ الْأُخْرَى، وَلِغَيْرِهِ بِالْعَكْسِ، وَسَقَطَ طَرِيقُ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عِنْدَ النَّسَفِيِّ أَصْلًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ: (سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ) هُوَ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ سَمِعَ، وَيُحْذَفُ لَفْظُ أَنَّهُ فِي الْكِتَابَةِ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ ذَكْوَانُ، وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ.
قَوْلُهُ: (لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا) بِالْقَافِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ؛ أَيْ لَا يَتَأَمَّلُهَا بِخَاطِرِهِ، وَلَا يَتَفَكَّرُ فِي عَاقِبَتِهَا، وَلَا يَظُنُّ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ شَيْئًا، وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ: إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ فِي السَّخَطِ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ) كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ، وَلِلنَّسَفِيِّ وَالْأَكْثَرُ: يَرْفَعُ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ.
قَوْلُهُ: (يَهْوِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمَعْنَى يَنْزِلُ فِيهَا سَاقِطًا، وَقَدْ جَاءَ بِلَفْظِ: يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ؛ لِأَنَّ دَرَكاتِ النَّارِ إِلَى أَسْفَلَ، فَهُوَ نُزُولُ سُقُوطٍ، وَقِيلَ: أَهْوَى مِنْ قَرِيبٍ وَهَوَى