للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصَّرِيحِ إِلَى اللَّهِ حَيْثُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، بَلْ فِيهِ أَنَّ غَيْرَهُ كَذَلِكَ إِذْ قَالَ فِيمَا يَرْوِيهِ أَيْ فِي جُمْلَةِ مَا يَرْوِيهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَالثَّانِي لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ جَعْفَرٍ بِلَفْظِ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ: إِنَّ رَبَّكُمْ رَحِيمٌ، مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ ﷿: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَنْ طُرُقٍ أُخْرَى مِنْهَا عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ ﷿: إِذَا هَمَّ عَبْدِي.

قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ ﷿ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ يَحْكِيهِ عَنْ فِعْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفَاعِلُ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَقَوْلُهُ فَمَنْ هَمَّ شَرْحُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ أَيْ فَصَّلَهُ بِقَوْلِهِ فَمَنْ هَمَّ وَالْمُجْمَلُ قَوْلُهُ: كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ وَقَوْلُهُ: كَتَبَ قَالَ الطُّوفِيُّ: أَيْ أَمَرَ الْحَفَظَةَ أَنْ تَكْتُبَ، أَوِ الْمُرَادُ قَدَّرَ ذَلِكَ فِي عِلْمِهِ عَلَى وَفْقِ الْوَاقِعِ مِنْهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ قَدَّرَ ذَلِكَ وَعَرَّفَ الْكَتَبَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِفْسَارِ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْكِتَابَةِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا مَفْرُوغًا مِنْهُ. انْتَهَى. وَقَدْ يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ، فَقَالَ: ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا. فَهَذَا ظَاهِرُهُ وُقُوعُ الْمُرَاجَعَةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِإِرَادَةِ عَمَلِ السَّيِّئَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، فَلَمَّا حَصَلَ الْجَوَابُ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَهُ، وَقَدْ وَجَدْتُ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْخَبَرِ، وَأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ إِنَّمَا تَقَعُ لِمَنْ هَمَّ عَلَى الشَّيْءِ فَشَرَعَ فِيهِ. لَا مَنْ هَمَّ بِهِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْعَمَلُ، فَقَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَمَّا ذَكَرَ الْعَمَلَ الَّذِي يُبْطِلُهَا مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَقَصَدَ الْقِتَالَ فَشَرَعَ فِيهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ تَحَرَّمَ وَقَصَدَ إِلَى الْعَدُوِّ لَوْ دَهَمَهُ دَفَعَهُ بِالْقِتَالِ لَمْ تَبْطُلْ.

قَوْلُهُ: فَمَنْ هَمَّ) كَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ فِي التَّوْحِيدِ إِذَا أَرَادَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ إِذَا هَمَّ وكَذَا عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَوَقَعَ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِذَا تَحَدَّثَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَدِيثِ النَّفْسِ لِتُوَافِقَ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ قَيْدًا فِي كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ تُكْتَبُ الْحَسَنَةُ، نَعَمْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْهَمِّ وَالْإِرَادَةِ لَا يَكْفِي، فَعِنْدَ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ خَرِيمِ بْنِ فَاتِكٍ رَفَعَهُ وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أُشْعِرَ بِهَا قَلْبُهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ فَقَالَ بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي صَحِيحِهِ: الْمُرَادُ بِالْهَمِّ هُنَا الْعَزْمُ. ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ الْحَسَنَةَ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهَا زِيَادَةً فِي الْفَضْلِ.

قَوْلُهُ: فَلَمْ يَعْمَلْهَا يَتَنَاوَلُ نَفْيَ عَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَأَمَّا عَمَلُ الْقَلْبِ فَيَحْتَمِلُ نَفْيَهُ أَيْضًا إِنْ كَانَتِ الْحَسَنَةُ تُكْتَبُ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ كَمَا فِي مُعْظَمِ الْأَحَادِيثِ، لَا إِنْ قُيِّدَتْ بِالتَّصْمِيمِ كَمَا فِي حَدِيثِ خَرِيمٍ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الْكَفَّ عَنِ الشَّرِّ صَدَقَةٌ.

قَوْلُهُ: كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ أَيْ لِلَّذِي هَمَّ بِالْحَسَنَةِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنَةً كَامِلَةً) كَذَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِ وَصْفُ الْحَسَنَةَ بِكَوْنِهَا كَامِلَةً، وَكَذَا قَوْلُهُ: عِنْدَهُ وَفِيهِمَا نَوْعَانِ مِنَ التَّأْكِيدِ: