وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ حَسَنَةَ مَنْ هَمَّ بِهَا تَنْدَرِجُ فِي الْعَمَلِ فِي عَشْرَةٍ الِعَمَلٍ لَكِنْ تَكُونُ حَسَنَةُ مَنْ هَمَّ بِهَا أَعْظَمَ قَدْرًا مِمَّنْ لَمْ يَهِمَّ بِهَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى.
قَوْلُهُ: إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ الضِّعْفُ فِي اللُّغَةِ الْمِثْلُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْعَدَدِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ عَدَدٌ آخَرُ، فَإِذَا قِيلَ ضِعْفُ الْعَشَرَةِ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ عِشْرُونَ، وَمَنْ ذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ لَهُ عِنْدِي ضِعْفُ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ أَوْ ضِعْفَيْ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ.
قَوْلُهُ: إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ إِلَّا فِي حَدِيثِهِ الْمَاضِي فِي الصِّيَامِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَضْعِيفَ حَسَنَةِ الْعَمَلِ إِلَى عَشْرَةٍ مَجْزُومٌ بِهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا جَائِزٌ وُقُوعُهُ بِحَسَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْإِخْلَاصِ وَصِدْقِ الْعَزْمِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ وَتَعَدِّي النَّفْعِ كَالصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالسُّنَّةِ الْحَسَنَةِ وَشَرَفِ الْعَمَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يُضَاعَفُ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ خَاصٌّ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَتَمَسَّكَ قَائِلُهُ بِمَا فِي حَدِيثِ خَرِيمِ بْنِ فَاتِكٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَرِيبًا رَفَعَهُ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ وَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً كَانَتْ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَمَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهَا صَرِيحًا، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِي فِي الصِّيَامِ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ الْحَدِيثَ.
وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ هَلِ الْمُرَادُ الْمُضَاعَفَةُ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ فَقَطْ أَوْ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ؟ فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُحَقَّقُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ، وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ سَعَةُ الْفَضْلِ.
قَوْلُهُ: وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً الْمُرَادُ بِالْكَمَالِ عِظَمُ الْقَدْرِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا التَّضْعِيفُ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَلَمْ يَقَعِ التَّقْيِيدُ بِكَامِلَةٍ فِي طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ كِتَابَةُ الْحَسَنَةِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ، لَكِنَّهُ قَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَلَفْظُهُ إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ مِنْ أَجْلِي وَوَقَعَ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَ الْأَلِفِ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ وَهِيَ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِي، وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى عُمُومِهِ، ثُمَّ صَوَّبَ حَمْلَ مُطْلَقِهِ عَلَى مَا قُيِّدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَسَنَةُ مَنْ تَرَكَ بِغَيْرِ اسْتِحْضَارِ مَا قُيِّدَ بِهِ دُونَ حَسَنَةِ الْآخَرِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَرْكَ الْمَعْصِيَةِ كَفٌّ عَنِ الشَّرِّ، وَالْكَفُّ عَنِ الشَّرِّ خَيْرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُكْتَبَ لِمَنْ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ ثُمَّ تَرَكَهَا حَسَنَةٌ مُجَرَّدَةٌ، فَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ كُتِبَتْ حَسَنَةً مُضَاعَفَةً. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَحَلُّ كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ عَلَى التَّرْكِ أَنْ يَكُونَ التَّارِكُ قَدْ قَدَرَ عَلَى الْفِعْلِ ثُمَّ تَرَكَهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَمَّى تَارِكًا إِلَّا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حِرْصِهِ عَلَى الْفِعْلِ مَانِعٌ كَأَنْ يَمْشِيَ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا مَثَلًا فَيَجِدُ الْبَابَ مُغْلَقًا وَيَتَعَسَّرُ فَتْحُهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الزِّنَا مَثَلًا فَلَمْ يَنْتَشِرْ أَوْ طَرَقَهُ مَا يَخَافُ مِنْ أَذَاهُ عَاجِلًا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ مَا قَدْ يُعَارِضُ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ بِلَفْظِ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَرَى لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَرَجُلٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute