للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِلِاتِّحَادِيَّةِ، وَلَا الْقَائِلِينَ بِالْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِقولِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: وَلَئِنْ سَأَلَنِي، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ: وَإِنْ سَأَلَنِي) زَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَبْدِي.

قَوْلُهُ: أَعْطَيْتُهُ أَيْ مَا سَأَلَ.

قَوْلُهُ: وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ الْأَشْهَرُ بِالنُّونِ بَعْدَ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَالثَّانِي بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمَعْنَى أَعَذْتُهُ مِمَّا يَخَافُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَإِذَا اسْتَنْصَرَ بِي نَصَرْتُهُ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ نَصَحَنِي فَنَصَحْتُ لَهُ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّوَافِلِ جَمِيعُ مَا يُنْدَبُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْمَذْكُورِ: وَأَحَبُّ عِبَادَةِ عَبْدِي إِلَيَّ النَّصِيحَةُ، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْعُبَّادِ وَالصُّلَحَاءِ دَعَوْا وَبَالَغُوا وَلَمْ يُجَابُوا، وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْإِجَابَةَ تَتَنَوَّعُ، فَتَارَةً يَقَعُ الْمَطْلُوبُ بِعَيْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَتَارَةً يَقَعُ، وَلَكِنْ يَتَأَخَّرُ لِحِكْمَةٍ فِيهِ وَتَارَةً قَدْ تَقَعُ الْإِجَابَةُ، وَلَكِنْ بِغَيْرِ عَيْنِ الْمَطْلُوبِ حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي الْمَطْلُوبِ مَصْلَحَةٌ نَاجِزَةٌ، وَفِي الْوَاقِعِ مَصْلَحَةٌ نَاجِزَةٌ أَوْ أَصْلَحُ مِنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ عِظَمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهَا مَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ الَّذِي يَتَقَرَّبُ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْمُنَاجَاةِ وَالْقُرْبَةِ وَلَا وَاسِطَةَ فِيهَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَلَا شَيْءَ أَقَرَّ لَعَيْنِ الْعَبْدِ مِنْهَا، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَرْفُوعِ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَمَنْ كَانَتْ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِي شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَوَدُّ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَلَا يَخْرُجَ مِنْهُ، لِأَنَّ فِيهِ نَعِيمَهُ وَبِهِ تَطِيبُ حَيَاتُهُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لِلْعَابِدِ بِالْمُصَابَرَةِ عَلَى النَّصَبِ، فَإِنَّ السَّالِكَ غَرَضُ الْآفَاتِ وَالْفُتُورِ.

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَيَكُونُ مِنْ أَوْلِيَائِي وَأَصْفِيَائِي، وَيَكُونُ جَارِي مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ. وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنْ أَهْلِ التَّجَلِّي وَالرِّيَاضَةِ فَقَالُوا: الْقَلْبُ إِذَا كَانَ مَحْفُوظًا مَعَ اللَّهِ كَانَتْ خَوَاطِرُهُ مَعْصُومَةً مِنَ الْخَطَأِ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ فَقَالُوا: لَا يُلْتَفَتُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَالْعِصْمَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ فَقَدْ يُخْطِئُ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَأْسَ الْمُلْهَمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ رُبَّمَا رَأَى الرَّأْيَ فَيُخْبِرُهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ وَيَتْرُكُ رَأْيَهُ، فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِمَا يَقَعُ فِي خَاطِرِهِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَدِ ارْتَكَبَ أَعْظَمَ الْخَطَإِ، وَأَمَّا مَنْ بَالَغَ مِنْهُمْ فَقَالَ: حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي فَإِنَّهُ أَشَدُّ خَطَأً، فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ إِنَّمَا حَدَّثَهُ عَنِ الشَّيْطَانِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

قَالَ الطُّوفِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي السُّلُوكِ إِلَى اللَّهِ وَالْوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَطَرِيقِهِ، إِذِ الْمُفْتَرَضَاتُ الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الْإِيمَانُ وَالظَّاهِرَةُ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا وَهُوَ الْإِحْسَانُ فِيهِمَا كَمَا تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ جِبْرِيلَ، وَالْإِحْسَانُ يَتَضَمَّنُ مَقَامَاتِ السَّالِكِينَ مِنَ الزُّهْدِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ أَتَى بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَتَقَرَّبَ بِالنَّوَافِلِ لَمْ يُرَدَّ دُعَاؤُهُ لِوُجُودِ هَذَا الْوَعْدِ الصَّادِقِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَسَمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَمَّا يَتَخَلَّفُ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ وَلَوْ بَلَغَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ حَتَّى يَكُونَ مَحْبُوبًا لِلَّهِ لَا يَنْقَطِعُ عَنِ الطَّلَبِ مِنَ اللَّهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُضُوعِ لَهُ وَإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَا وَاضِحًا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ.

قَوْلُهُ: وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِهِ وَوَقَعَ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ إِنِّي لَأَجِدُ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ إِلَخْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: التَّرَدُّدُ فِي حَقِّ اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْبَدَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ غَيْرُ سَائِغٍ، وَلَكِنْ لَهُ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ فِي أَيَّامِ عُمُرِهِ مِنْ دَاءٍ يُصِيبُهُ وَفَاقَةٍ تَنْزِلُ بِهِ، فَيَدْعُو اللَّهَ فَيَشْفِيهِ مِنْهَا وَيَدْفَعُ عَنْهُ مَكْرُوهَهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ كَتَرَدُّدِ مَنْ يُرِيدُ أَمْرًا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِيهِ فَيَتْرُكُهُ وَيُعْرِضُ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَائِهِ إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ الْفَنَاءَ عَلَى خَلْقِهِ،