الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ قَالَ: كَهَيْئَةِ الْبُوقِ. وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: الْبُوقُ الَّذِي يُزْمَرُ بِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَيُقَالُ لِلْبَاطِلِ، يَعْنِي يُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْبَاطِلِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مَذْمُومًا أَنْ لَا يُشَبَّهَ بِهِ الْمَمْدُوحُ، فَقَدْ وَقَعَ تَشْبِيهُ صَوْتِ الْوَحْيِ بِصَلْصَلَةِ الْجَرْسِ مَعَ النَّهْيِ عَنِ اسْتِصْحَابِ الْجَرْسِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَالصُّورُ إِنَّمَا هُوَ قَرْنٌ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَدْءِ الْأَذَانِ بِلَفْظِ الْبُوقِ وَالْقَرْنِ فِي الْآلَةِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْيَهُودُ لِلْأَذَانِ، وَيُقَالُ: إِنَّ الصُّورَ اسْمُ الْقَرْنِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ نَفَخْنَاهُمْ غَدَاةَ النَّقْعَيْنِ … نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: مَا الصُّورُ؟ قَالَ: قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ. وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الْإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَحْمَدَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ صَاحِبُ الصُّورِ يَعْنِي إِسْرَافِيلَ وَفِي أَسَانِيدِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ، وَلِلْحَاكِمِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: إِنَّ طَرَفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرَفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ.
قَوْلُهُ: زَجْرَةٌ: صَيْحَةٌ هُوَ مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ﴾ قَالَ: صَيْحَةٌ، وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ قَالَ: صَيْحَةٌ. قُلْتُ: وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْخِ الصُّورِ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ، كَمَا عَبَّرَ بِهَا عَنِ النَّفْخَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ﴾ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّاقُورُ: الصُّورُ. وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ قَالَ؛ الصُّورُ. وَمَعْنَى نُقِرَ نُفِخَ، قَالَهُ فِي الْأَسَاسِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ قَالَ: قَالَ الرَّسُولُ ﷺ: كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ الْحَدِيثَ.
(تَنْبِيهٌ): اشْتُهِرَ أَنَّ صَاحِبَ الصُّورِ إِسْرَافِيلُ ﵇، وَنَقَلَ فِيهِ الْحَلِيمِيُّ الْإِجْمَاعَ، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْمَذْكُورِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى فِي الْكَبِيرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الطِّوَالَاتِ، وَعَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي كِتَابِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَدَارُهُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، وَاضْطَرَبَ فِي سَنَدِهِ مَعَ ضَعْفِهِ، فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ تَارَةً بِلَا وَاسِطَةٍ، وَتَارَةً بِوَاسِطَةِ رَجُلٍ مُبْهَمٍ، وَمُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَارَةً بِلَا وَاسِطَةٍ، وَتَارَةً بِوَاسِطَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مُبْهَمٍ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الشَّامِيُّ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَاعْتَرَضَ مُغْلَطَايْ عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ فِي تَضْعِيفِهِ الْحَدِيثَ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّامِيَّ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ سَرَقَهُ مِنْهُ فَأَلْصَقَهُ بِابْنِ عَجْلَانَ، وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إِنَّهُ مَتْرُوكٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ: شَيْخٌ ضَعِيفٌ شَحَنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute