تَفْسِيرَهُ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ ابْنُ كَثِيرٍ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: جَمَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ مِنْ عِدَّةِ آثَارٍ وَأَصْلُهُ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَسَاقَهُ كُلَّهُ مَسَاقًا وَاحِدًا. وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي سِرَاجِهِ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ، وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ فِي تَضْعِيفِهِ أَوْلَى، وَضَعَّفَهُ قَبْلَهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ إِنَّ اللَّهَ خَلْقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ الْحَدِيثَ. وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا جَاءَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ أَصْلُهُ، وَجَاءَ أَنَّ الَّذِي يَنْفُخُ فِي الصُّورِ غَيْرُهُ، فَفِي الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَا كَعْبُ، أَخْبِرْنِي عَنْ إِسْرَافِيلَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: وَمَلَكُ الصُّورِ جَاثٍ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ وَقَدْ نَصَبَ الْأُخْرَى يَلْتَقِمُ الصُّورَ مَحْنِيًّا ظَهْرُهُ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى إِسْرَافِيلَ، وَقَدْ أُمِرَ إِذَا رَأَى إِسْرَافِيلَ قَدْ ضَمَّ جَنَاحَيْهِ أَنْ يَنْفُخَ فِي الصُّورِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا عَلِيَّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ فَفِيهِ ضَعْفٌ. فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا يَنْفُخَانِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: مَا مِنْ صَبَاحٍ إِلَّا وَمَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِالصُّورِ.
وَمَنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ مِثْلَهُ، وَزَادَ يَنْتَظِرَانِ مَتَى يَنْفُخَانِ وَنَحْوُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: النَّافِخَانِ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ بِالْمَغْرِبِ - أَوْ قَالَ بِالْعَكْسِ - يَنْتَظِرَانِ مَتَى يُؤْمَرَانِ أَنْ يَنْفُخَا فِي الصُّورِ فَيَنْفُخَا. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِغَيْرِ شَكٍّ، وَلِابْنِ مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: إِنَّ صَاحِبَيِ الصُّورِ بِأَيْدِيهِمَا قَرْنَانِ يُلَاحِظَانِ النَّظَرَ مَتَى يُؤْمَرَانِ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: إِنَّهُ إِذَا رَأَى إِسْرَافِيلَ ضَمَّ جَنَاحَيْهِ نَفَخَ أَنَّهُ يَنْفُخُ النَّفْخَةَ الْأُولَى وَهِيَ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، ثُمَّ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ نَفْخَةُ الْبَعْثِ.
قَوْلُهُ: الرَّاجِفَةُ النَّفْخَةُ الْأُولَى، وَالرَّادِفَةُ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ) هُوَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ وَالنَّازِعَاتِ، وَبِهِ جَزَمَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الرَّاجِفَةُ الزَّلْزَلَةُ، وَالرَّادِفَةُ الدَّكْدَكَةُ. أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ، وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ، وَنَحْوَهُ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ: ثُمَّ تَرْتَجُّ الْأَرْضُ وَهِيَ الرَّاجِفَةُ فَتَكُونُ الْأَرْضُ كَالسَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الزَّلْزَلَةَ تَنْشَأُ عَنْ نَفْخَةِ الصَّعْقِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي قِصَّةِ مُوسَى ﵇ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ النَّفْخَ فِي الصُّورِ يَقَعُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَتُعُقِّبَ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهَا ثَلَاثٌ: نَفْخَةُ الْفَزَعِ كَمَا فِي النَّمْلِ، وَنَفْخَةُ الصَّعْقِ كَمَا فِي الزُّمَرِ، وَنَفْخَةُ الْبَعْثِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الزُّمَرِ أَيْضًا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ فَقَطْ لِثُبُوتِ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ فِي كُلٍّ مِنَ الْآيَتَيْنِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُغَايَرَةِ الصَّعْقِ لِلْفَزَعِ أَنْ لَا يَحْصُلَا مَعًا مِنَ النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ وَجَدْتُ مُسْتَنَدَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ فَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ: نَفْخَةِ الْفَزَعُ، وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ، وَنَفْخَةِ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَمُضْطَرِبٌ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ، وَلَفْظُهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute