للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوِيٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: ثُمَّ يَقُومُ مَلَكُ الصُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيَنْفُخُ فِيهِ، وَالصُّورُ قَرْنٌ، فَلَا يَبْقَى لِلَّهِ خَلْقٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَاتَ إِلَّا مَنْ شَاءَ رَبُّكَ، ثُمَّ يَكُونُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ. وَفِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رَفَعَهُ: إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ الصَّعْقَةُ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ. الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الزُّمَرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ، وَفِيهِ شَرْحُ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا قِيلَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً أَبَيْتَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهُ امْتَنَعْتَ مِنْ تَبْيِينِهِ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُهُ فَلَا أَخُوضُ فِيهِ بِالرَّأْيِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: امْتَنَعْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْهُ لِأَنَّهُ لَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إِلَى بَيَانِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ امْتَنَعْتُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْ تَفْسِيرِهِ، فَعَلَى الثَّانِي لَا يَكُونُ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ أَنَّ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ عَامًا.

قُلْتُ: وَقَعَ كَذَلِكَ فِي طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الرَّقَائِقِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ سَنَةً الْأُولَى يُمِيتُ اللَّهُ بِهَا كُلَّ حَيٍّ، وَالْأُخْرَى يُحْيِي اللَّهُ بِهَا كُلَّ مَيِّتٍ، وَنَحْوُهُ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَعِنْدَهُ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالتَّعْيِينِ، فَأَخْرَجَ عَنْهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ لَمَّا قَالُوا أَرْبَعُونَ مَاذَا قَالَ هَكَذَا سَمِعْتُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُنْقَطِعًا ثُمَّ قَالَ قَالَ أَصْحَابُهُ: مَا سَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا زَادَنَا عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنْ رَأْيِهِمْ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى قَوْلِ الْحَلِيمِيِّ: اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

قُلْتُ: وَجَاءَ فِيمَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْيَاءِ إِذَا مَاتُوا بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ - سُبْحَانَهُ - أَنَا الْجَبَّارُ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، فَيَقُولُ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَأَخْرَجَ النَّحَّاسُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بَعْدَ الْحَشْرِ، وَرَجَّحَهُ، وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَوَّلَ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّعْرَاءِ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ الدَّجَّالَ إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ يَكُونُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، فَلَيْسَ فِي بَنِي آدَمَ خَلْقٌ إِلَّا فِي الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ: فَيُرْسِلُ اللَّهُ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَتَنْبُتُ جُسْمَانُهُمْ وَلَحْمَاتُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الرَّيِّ. وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.

(تَنْبِيهٌ): إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّفْخَةَ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ فَكَيْفَ تَسْمَعُهَا الْمَوْتَى؟ وَالْجَوَابُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَفْخَةُ الْبَعْثِ تَطُولُ إِلَى أَنْ يَتَكَامَلَ إِحْيَاؤُهُمْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَتَقَدَّمَ الْإِلْمَامُ فِي قِصَّةِ مُوسَى بِشَيْءٍ مِمَّا وَرَدَ فِي تَعْيِينِ مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ - تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ وَحَاصِلُ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ.

الْأَوَّلُ: أَنَّهُمُ الْمَوْتَى كُلُّهُمْ لِكَوْنِهِمْ لَا إِحْسَاسَ لَهُمْ فَلَا يُصْعَقُونَ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَمُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي تَعْيِينِهِمْ خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ (١) فَقَالَ: قَدْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ; وَفِي الزُّهْدِ لِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْقُوفًا: هُمُ الشُّهَدَاءُ، وَسَنَدُهُ إِلَى سَعِيدٍ صَحِيحٌ، وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الَّذِي بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي.

الثَّالِثُ: الْأَنْبِيَاءُ، وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ فِي تَجْوِيزِهِ أَنْ يَكُونَ مُوسَى مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، قَالَ: وَوَجْهُهُ


(١) القرطبي صاحب "التذكرة" تلميذ القرطبي صاحب "المفهم شرح مسلم"