كَبِدِ النُّونِ. وَفِيهِ: غِذَاؤُهُمْ عَلَى أَثَرِهَا أَنْ يُنْحَرَ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا. وَفِيهِ: وَشَرَابُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ عَيْنٍ تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا: إِنَّ لِكُلِّ ضَيْفٍ جَزُورًا، وَإِنِّي أَجْزُرُكُمُ الْيَوْمَ حُوتًا وَثَوْرًا، فَيُجْزَرُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ، قَوْلُهُ: (مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَيِ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: يُحْشَرُ النَّاسُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ.
قَوْلُهُ: أَرْضٍ عَفْرَاءَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْعَفَرُ: بَيَاضٌ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الْعَفَرُ بَيَاضٌ يَضْرِبُ إِلَى حُمْرَةٍ قَلِيلًا، وَمِنْهُ سُمِّيَ عَفَرُ الْأَرْضِ وَهُوَ وَجْهُهَا. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: مَعْنَى عَفْرَاءَ خَالِصَةُ الْبَيَاضِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: شَدِيدَةُ الْبَيَاضِ. كَذَا قَالَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيِ الدَّقِيقِ النَّقِيِّ مِنَ الْغِشِّ وَالنُّخَّالِ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.
قَوْلُهُ: قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَسَهْلٌ هُوَ رَاوِي الْخَبَرِ، وَأَوْ لِلشَّكِّ، وَالْغَيْرُ الْمُبْهَمُ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ، وَوَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مُدْرَجًا بِالْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ: لَيْسَ فِيهَا عِلْمٌ لِأَحَدٍ وَمِثْلُهُ لِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَالْعِلْمُ وَالْمَعْلَمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ. وَالْمَعْلَمُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ أَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا عَلَامَةُ سُكْنَى وَلَا بِنَاءٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي الطَّرَقَاتِ كَالْجَبَلِ وَالصَّخْرَةِ الْبَارِزَةِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَرْضِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا ذَهَبَتْ وَانْقَطَعَتِ الْعَلَّاقَةُ مِنْهَا، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا مَا أَدْرَكَ مِنْهَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، وَالْإِعْلَامِ بِجُزْئِيَّاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَكُونَ السَّامِعُ عَلَى بَصِيرَةٍ فَيُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ الْهَوْلِ، لِأَنَّ فِي مَعْرِفَةِ جُزْئِيَّاتِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ رِيَاضَةَ النَّفْسِ وَحَمْلَهَا عَلَى مَا فِيهِ خَلَاصُهَا، بِخِلَافِ مَجِيءِ الْأَمْرِ بَغْتَةً، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَرْضَ الْمَوْقِفِ أَكْبَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الْمَوْجُودَةِ جِدًّا، وَالْحِكْمَةُ فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ عَدْلٍ وَظُهُورِ حَقٍّ فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ طَاهِرًا عَنْ عَمَلِ الْمَعْصِيَةِ وَالظُّلْمِ، وَلِيَكُونَ تَجَلِّيهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَرْضٍ تَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ خَالِصًا لَهُ وَحْدَهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَرْضَ الدُّنْيَا اضْمَحَلَّتْ وَأُعْدِمَتْ، وَأَنَّ أَرْضَ الْمَوْقِفِ تَجَدَّدَتْ.
وَقَدْ وَقَعَ لِلسَّلَفِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ هَلْ مَعْنَى تَبْدِيلِهَا تَغْيِيرُ ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا، أَوْ تَغْيِيرُ صِفَاتِهَا فَقَطْ، وَحَدِيثُ الْبَابِ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرِيُّ فِي تَفَاسِيرِهِمْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ الْآيَةَ قَالَ: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ أَرْضًا كَأَنَّهَا فِضَّةٌ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ حَرَامٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ ; وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا وَقَالَ: الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ. وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ أَيْضًا، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: أَرْضٌ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ، قِيلَ: فَأَيْنَ الْخَلْقُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: هُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ لَنْ يُعْجِزَهُمْ مَا لَدَيْهِ.
وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: يُبَدِّلُهَا اللَّهُ بِأَرْضٍ مِنْ فِضَّةٍ لَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا الْخَطَايَا. وَعَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَرْضٌ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ وَالسَّمَاوَاتُ كَذَلِكَ. وَعَنْ عَلِيٍّ: وَالسَّمَاوَاتُ مِنْ ذَهَبٍ. وَعِنْدَ عَبْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute