للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عِكْرِمَةَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ يَعْنِي أَرْضَ الدُّنْيَا تُطْوَى وَإِلَى جَنْبِهَا أُخْرَى يُحْشَرُ النَّاسُ مِنْهَا إِلَيْهَا.

وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ فَيَبْسُطُهَا وَيُسَطِّحُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الْأَوْلَى مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَيْهَا انْتَهَى.

وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَقِبَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ بَعْدَ الْحَشْرِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - ﴿وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ التَّغْيِيرَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي صِفَاتِ الْأَرْضِ دُونَ ذَاتِهَا فَمُسْتَنَدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ وَحُشِرَ الْخَلَائِقُ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ: تُمَدُّ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لِابْنِ آدَمَ مِنْهَا إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي صَحَابِيِّهِ. وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ - تعالى - ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ قَالَ: يُزَادُ فِيهَا وَيُنْقَصُ مِنْهَا وَيُذْهَبُ آكَامُهَا وَجِبَالُهَا وَأَوْدِيَتُهَا وَشَجَرُهَا، وَتُمَدُّ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ، وَعَزَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيِّ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَقَعُ لِأَرْضِ الدُّنْيَا، لَكِنَّ أَرْضَ الْمَوْقِفِ غَيْرُهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ أَرْضَ الدُّنْيَا تَصِيرُ خُبْزَةً، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُعَدُّ لِأَكْلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا فِي زَمَانِ الْمَوْقِفِ، ثُمَّ تَصِيرُ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْأَرْضُ كُلُّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَالَّذِي قَبْلَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ سَنَدًا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَرْضُ الْبَحْرِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: يَصِيرُ مَكَانَ الْبَحْرِ نَارًا، وَفِي تَفْسِيرٍ لِلرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: تَصِيرُ السَّمَاوَاتُ جِفَانًا وَيَصِيرُ مَكَانَ الْبَحْرِ نَارًا، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ قَالَ: يَصِيرَانِ غَبَرَةً فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ. قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ بَعْضَهَا يَصِيرُ نَارًا وَبَعْضَهَا غُبَارًا، وَبَعْضَهَا يَصِيرُ خُبْزَةً، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ حِينَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ.

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا يَكُونُونَ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِسْرِ الصِّرَاطُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي تَرْجَمَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ: عَلَى الصِّرَاطِ مَجَازًا لِكَوْنِهِمْ يُجَاوِزُونَهُ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ زِيَادَةً يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا لِثُبُوتِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الزَّجْرَةِ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَ نَقْلِهِمْ مِنْ أَرْضِ الدُّنْيَا إِلَى أَرْضِ الْمَوْقِفِ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ وَاخْتُلِفَ فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا، فَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا تَصِيرُ جِفَانًا، وَقِيلَ: إِنَّهَا إِذَا طُوِيَتْ تُكَوَّرُ شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا وَسَائِرُ نُجُومِهَا وَتَصِيرُ تَارَةً كَالْمُهْلِ وَتَارَةً كَالدِّهَانِ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: السَّمَاءُ تَكُونُ أَلْوَانًا كَالْمُهْلِ وَكَالدِّهَانِ وَوَاهِيَةً وَتَشَقَّقُ فَتَكُونُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا تَنْشَقُّ أَوَّلًا فَتَصِيرُ كَالْوَرْدَةِ وَكَالدِّهَانِ وَوَاهِيَةً وَكَالْمُهْلِ، وَتُكَوَّرُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَسَائِرُ النُّجُومِ، ثُمَّ تُطْوَى السَّمَاوَاتُ وَتُضَافُ إِلَى الْجِنَانِ، وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ حَيْدَرَةَ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ تَبْدِيلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَقَعُ مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا تُبَدَّلُ