للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَكَانِ الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ شَدِيدَةً، فَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى الرَّحِيلِ إِلَى

الشَّامِ، وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْأَمْرَيْنِ وَإِطْلَاقُ النَّارِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، وَعَلَى الْمَجَازِيَّةِ، وَهِيَ الْفِتْنَةُ إِذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَيِّدُ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الثَّانِي أَنَّ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ فِي آيَاتِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَرَدَ عَلَى الْقَصْدِ مِنَ الْخَلَاصِ مِنَ الْفِتْنَةِ، فَمَنِ اغْتَنَمَ الْفُرْصَةَ سَارَ عَلَى فُسْحَةٍ مِنَ الظَّهْرِ، وَيَسَرَةٍ فِي الزَّادِ رَاغِبًا فِيمَا يَسْتَقْبِلُهُ، رَاهِبًا فِيمَا يَسْتَدْبِرُهُ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي الْحَدِيثِ، وَمَنْ تَوَانى حَتَّى قَلَّ الظَّهْرُ، وَضَاقَ عَنْ أَنْ يَسْعَهُمْ لِرُكُوبِهِمُ، اشْتَرَكُوا وَرَكِبُوا عَقِبَهُ، فَيَحْصُلُ اشْتِرَاكُ الِاثْنَيْنِ فِي الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ، وَكَذَا الثَّلَاثَةُ، وَيُمْكِنُهُمْ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فِي الْوَاحِدِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمُ التَّعَاقُبُ، وَقَدْ يُمْكِنُهُمْ إِذَا كَانُوا خِفَافًا أَوْ أَطْفَالًا، وَأَمَّا الْعَشَرَةُ فَبِالتَّعَاقُبِ، وَسَكَتَ عَمَّا فَوْقَهَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا الْمُنْتَهَى فِي ذَلِكَ، وَعَمَّا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ إِيجَازًا وَاخْتِصَارًا، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الصِّنْفُ الثَّانِي فِي الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الصِّنْفُ الثَّالِثُ فَعَبِّرْ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: تَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ تَحْصِيلِ مَا يَرْكَبُونَهُ، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ حَالِهِمْ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ يَمْشُونَ أَوْ يُسْحَبُونَ فِرَارًا مِنَ النَّارِ الَّتِي تَحْشُرُهُمْ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كَلَامِ

الْمُعْتَرِضِ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنِ السَّبَبِ فِي مَشْيِ الْمَذْكُورِينَ فَقَالَ: يُبْقِي اللَّهُ الْآفَةَ عَلَى الظَّهْرِ حَتَّى لَا يُلْقَى ذَاتُ ظَهْرٍ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لِيُعْطَى الْحَدِيقَةَ الْمُعْجَبَةَ بِالشَّارِفِ ذَاتَ الْقَتَبِ، أَيْ يَشْتَرِي النَّاقَةَ الْمُسِنَّ لِأَجْلِ كَوْنِهَا تَحْمِلُهُ عَلَى الْقَتَبِ بِالْبُسْتَانِ الْكَرِيمِ؛ لِهَوَانِ الْعَقَارِ الَّذِي عَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ عَنْهُ وَعِزَّةِ الظَّهْرِ الَّذِي يُوصِلُهُ إِلَى مَقْصُودِهِ، وَهَذَا لَائِقٌ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا وَمُؤَكِّدٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ، وَيَتَنَزَّلُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي مِنَ الْمَصَابِيحِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَوْجٌ طَاعِمِينِ كَاسِينَ رَاكِبِينَ مُوَافِقٌ لِقولِهِ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَقَوْلُهُ: وَفَوْجٌ يَمْشُونَ مُوَافِقٌ لِلصِّنْفِ الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ عَلَى الْبَعِيرِ، فَإِنَّ صِفَةَ الْمَشْيِ لَازِمَةٌ لَهُمْ، وَأَمَّا الصِّنْفُ الَّذِينَ تَحْشُرُهُمُ النَّارُ فَهُمُ الَّذِينَ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الِاعْتِرَاضِ الثَّالِثِ أَنَّهُ تَبَيَّنَ مِنْ شَوَاهِدِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّارِ نَارَ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ نَارٌ تَخْرُجُ فِي الدُّنْيَا أَنْذَرَ النَّبِيُّ بِخُرُوجِهَا، وَذَكَرَ كَيْفِيَّةَ مَا تَفْعَلُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الرَّابِعِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ مَعَ ضَعْفِهِ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبي ذَرٍّ فِي لَفْظِهِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الدُّنْيَا لَا بَعْدَ الْبَعْثِ فِي الْحَشْرِ إِلَى الْمَوْقِفِ، إِذْ لَا حَدِيقَةَ هُنَاكَ وَلَا آفَةَ تُلْقَى عَلَى الظَّهْرِ حَتَّى يَعِزَّ وَيَقِلَّ، ووَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَرْضَ الْمَوْقِفِ أَرْضٌ مُسْتَوِيَةٌ لَا عِوَجَ فِيهَا، وَلَا أَكَمَةَ، وَلَا حَدَبَ، وَلَا شَوْكَ، وَأَشَارَ الطِّيبِيُّ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ الَّذِي مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَلَى مَنْ يُحْشَرُ مِنَ الْمَوْقِفِ إِلَى مَكَانِ الِاسْتِقْرَارِ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالرُّكْبَانِ السَّابِقِينَ الْمُتَّقِينَ، وَهُمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ أَيْ رُكْبَانًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ مَرْيَمَ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا يُحْشَرُ الْوَفْدُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ وَلَا يُسَاقُونَ سَوْقًا، وَلَكِنْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لَمْ تَرَ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا، عَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ، وَأَزِمَّتُهَا الزَّبَرْجَدُ، فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ الْجَنَّةِ، وَالْمُرَادُ سَوْقُ رَكَائِبِهِمْ إِسْرَاعًا بِهِمْ إِلَى دَارِ الْكَرَامَةِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْعَادَةِ بِمَنْ يَشْرُفُ وَيَكْرُمُ مِنَ الْوَافِدِينَ عَلَى الْمُلُوكِ.

قَالَ: وَيُسْتَبْعَدُ أَنْ يُقَالَ: يَجِيءُ وَفْدُ اللَّهِ عَشْرٌ عَلَى بَعِيرٍ جَمِيعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ حَالَ الْمَحْشُورِينَ عِنْدَ انْقِرَاضِ الدُّنْيَا إِلَى جِهَةِ أَرْضِ الْمَحْشَرِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ