للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَصْنَافٍ، وَحَالُ الْمَحْشُورِينَ فِي الْأُخْرَى إِلَى مَحِلِّ الِاسْتِقْرَارِ انْتَهَى كَلَامُ الطَّيِّبِيِّ عَنْ جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا بِزِيَادَاتٍ فِيهِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ لَيْسَ فِي الْمَحْشُورِينَ مِنَ الْمَوْقِفِ إِلَى مَحِلِّ الِاسْتِقْرَارِ ثُمَّ خَتَمَ كَلَامَهُ بِأَنْ قَالَ: هَذَا مَا سَنَحَ لِي عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْمَحْشَرِ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ، فَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ.

قُلْتُ: وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَلَى لَفْظِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا فِي صَحِيحِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ فِيهِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، نَعَمْ ثَبَتَ لَفْظُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهِ قَبْلُ، وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْقُبُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ، وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِمَا وَقَعَ فِيهِ أَنَّ الظَّهْرَ يَقِلُّ لِمَا يُلْقَى عَلَيْهِ مِنَ الْآفَةِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي الشَّارِفَ الْوَاحِدَ بِالْحَدِيقَةِ الْمُعْجَبَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ جِدًّا فِي أَنَّهُ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَا بَعْدَ الْمَبْعَثِ، وَقَدْ أَبْدَى الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ احْتِمَالَيْنِ فَقَالَ: قَوْلُهُ: رَاغِبِينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى الْأَبْرَارِ، وَقَوْلُهُ: رَاهِبِينَ إِشَارَةً إِلَى الْمُخَلَّطِينَ الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَالَّذِينَ تَحْشُرُهُمُ النَّارُ هُمُ الْكُفَّارُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ حَذَفَ ذِكْرَ قَوْلِهِ: وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ إِلَخْ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ صِفَتَانِ لِلصِّنْفَيْنِ الْأَبْرَارِ وَالْمُخَلَّطِينَ، وَكِلَاهُمَا يُحْشَرُ اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ إِلَخْ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ حَشْرِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَوْجِ الْأَوَّلِ الْأَبْرَارَ، وَبِالْفَوْجِ الثَّانِي الَّذِينَ خَلَّطُوا، فَيَكُونُونَ مُشَاةً، وَالْأَبْرَارُ رُكْبَانًا، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْكُفَّارِ أَعْيَا مِنْ بَعْضٍ، فَأُولَئِكَ يُسْحَبُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَمَنْ دُونَهُمْ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ مَعَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْفُسَّاقِ، وَقْتَ حَشْرِهِمْ إِلَى الْمَوْقِفِ، وَأَمَّا الظَّهْرُ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُحْيِهِ اللَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنَ الدَّوَابِّ، فَيَرْكَبُهَا الْأَبْرَارُ، وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ عَلَى بَقِيَّتِهَا حَتَّى يَبْقَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُخَلَّطِينَ بِلَا ظَهْرٍ.

قُلْتُ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا التَّأْوِيلِ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لِيُعْطى الْحَدِيقَةَ الْمُعْجَبَةَ بِالشَّارِفِ، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ لِلَّذِينَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ عُرَاةً حُفَاةً حَدَائِقَ حَتَّى يَدْفَعُوهَا فِي الشَّوَارِفِ؟ فَالرَّاجِحُ مَا تَقَدَّمَ وَكَذَا يَبْعُدُ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَحْتَاجَ مَنْ يُسَاقُ مِنَ الْمَوْقِفِ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَى التَّعَاقُبِ عَلَى الْأَبْعِرَةِ، فَرَجَحَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، هُوَ الْجُعْفِيُّ، وَيُونُسُ هُوَ الْمُؤَدِّبُ، وَشَيْبَانُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

قَوْلُهُ: (إنَّ رَجُلًا) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ) كَأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ حُذِفَ أَدَاتُهُ، وَوَقَعَ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ: كَيْفَ يُحْشَرُ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَالْكَافِرُ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ﴾ الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا﴾ الْآيَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: كَيْفَ يُحْشَرُ أَهْلُ النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ.

قَوْلُهُ: (أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ إِلَخْ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْيِ حَقِيقَتُهُ، فَلِذَلِكَ اسْتَغْرَبُوهُ حَتَّى سَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ مَثَلٌ، وَأَنَّهُ كَقَوْلِهِ: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ قُلْتُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَالْجَوَابُ الصَّادِرُ عَنِ النَّبِيِّ ظَاهِرٌ فِي تَقْرِيرِ الْمَشْيِ عَلَى حَقِيقَتِهِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَالْحِكْمَةُ فِي حَشْرِ الْكَافِرِ عَلَى وَجْهِهِ أَنَّهُ عُوقِبَ عَلَى عَدَمِ السُّجُودِ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، بِأَنْ يُسْحَبَ عَلَى وَجْهِهِ فِي الْقِيَامَةِ إِظْهَارًا لِهَوَانِهِ بِحَيْثُ صَارَ وَجْهُهُ