للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، وَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ نَبِيِّنَا ﵊ مُطْلَقًا، وَقَدْ ظَهَرَ لِي الْآنَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَبِيُّنَا ﵊ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَالْحُلَّةُ الَّتِي يُكْسَاهَا حِينَئِذٍ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ خُلْعَةُ الْكَرَامَةِ بِقَرِينَةِ إِجْلَاسِهِ عَلَى الْكُرْسِيِّ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ، فَتَكُونُ أَوَّلِيَّةُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْكِسْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْخَلْقِ، وَأَجَابَ الْحَلِيمِيُّ بِأَنَّهُ يُكْسَى أَوَّلًا ثُمَّ يُكْسَى نَبِيُّنَا ﷺ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ، لَكِنَّ حُلَّةَ نَبِيِّنَا ﷺ أَعْلَى وَأَكْمَلُ فَتَجْبُرُ نَفَاسَتُهَا مَا فَاتَ مِنَ الْأَوَّلِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ أَيْ إِلَى جِهَةِ النَّارِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ النَّارِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: فَإِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفَتْهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ الْحَدِيثَ، وَبَيَّنَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَوْضِعَ وَلَفْظُهُ: لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتَلَجُوا دُونِي الْحَدِيثَ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَنِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ.

قَوْلُهُ: فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَلَأَقُولَنَّ وَفِي رِوَايَةِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ أُصَيْحَابِي بِالتَّصْغِيرِ، وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَؤُلَاءِ.

قَوْلُهُ: فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا أَيْ بُعْدًا بُعْدًا، وَالتَّأْكِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي بَابِ صِفَةِ النَّارِ أَيْضًا فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ فَلَا أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ، وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَفَعَهُ لَيَرِدَنَّ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِمَّنْ صَحِبَنِي وَرَآنِي وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ وَزَادَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: لَسْتَ مِنْهُمْ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.

قَوْلُهُ: فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ - إِلَى قَوْلِهِ: - ﴿الْحَكِيمُ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ زِيَادَةُ مَا دُمْتُ فِيهِمْ، وَالْبَاقِي سَوَاءٌ.

قَوْلُهُ: قَالَ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَنْ يَزَالُوا وَوَقَعَ فِي تَرْجَمَةِ مَرْيَمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْفَرَبْرِيُّ: ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي حَتَّى قُتِلُوا وَمَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَبِيصَةَ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَرْتَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا ارْتَدَّ قَوْمٌ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ مِمَّنْ لَا نُصْرَةَ لَهُ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ وَيَدُلُّ قَوْلُهُ: أُصَيْحَابِي بِالتَّصْغِيرِ عَلَى قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: قِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْمُرَادُ بِأُمَّتِي أَمَّةُ الدَّعْوَةِ لَا أَمَّةُ الْإِجَابَةِ، وَرُجِّحَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَقُولُ بُعْدًا لَهُمْ وَسُحْقًا وَيُؤَيِّدُهُ كَوْنُهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَالُهُمْ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، لَعَرَفَ حَالَهُمْ بِكَوْنِ أَعْمَالِهِمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ أَوْ مِنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ، وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَالْبِدَعِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قِيلَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَدُّونَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُحْشَرُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَّةِ، فَيُنَادِيهِمْ مِنْ أَجْلِ السِّيمَا الَّتِي عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ بَدَّلُوا