للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْإِشَارَةُ بِمَنْ يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى أُذُنَيْهِ إِلَى غَايَةِ مَا يَصِلُ الْمَاءُ، وَلَا يَنْفِي أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ لِبَعْضِهِمْ إِلَى دُونِ ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الْأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ نِصْفَ سَاقِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ رُكْبَتَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ فَخِذَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ خَاصِرَتَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ فَاهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَأَلْجَمَهَا فَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَلَيْسَ بِتَمَامِهِ وَفِيهِ: تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَتكُونُ النَّاسُ عَلَى مِقْدَارِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُمْ يَسْتَوُونَ فِي وُصُولِ الْعَرَقِ إِلَيْهِمْ، وَيَتَفَاوَتُونَ فِي حُصُولِهِ فِيهِمْ.

وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ: مِقْدَارُ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَيَهُونُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُحْشَرُ النَّاسُ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، وَالسَّنَدُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ.

قَوْلُهُ: يَعْرَقُ النَّاسُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ مَكْسُورَةٌ فِي الْمَاضِي.

قَوْلُهُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَان سَبْعِينَ بَاعَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ ثَوْرٍ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ أَوْ إِلَى آذَانِهِمْ شَكَّ ثَوْرٌ، وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ الَّذِي يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ الْكَافِرُ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْهُ قَالَ: يَشْتَدُّ كَرْبُ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى يُلْجِمَ الْكَافِرَ الْعَرَقُ، قِيلَ لَهُ: فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ؟ قَالَ: عَلَى الْكَرَاسِيِّ مِنْ ذَهَبٍ، وَيُظَلِّلُ عَلَيْهِمُ الْغَمَامُ. وَبِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: الشَّمْسُ فَوْقَ رُءُوسِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَعْمَالُهُمْ تُظِلُّهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَاللَّفْظُ لَهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: تُعْطَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَرَّ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ تُدْنَى مِنْ جَمَاجِمِ النَّاسِ حَتَّى تَكُونَ قَابَ قَوْسَيْنِ، فَيَعْرَقُونَ حَتَّى يَرْشَحَ الْعَرَقُ فِي الْأَرْضِ قَامَةً، ثُمَّ تَرْتَفِعُ حَتَّى يُغَرْغِرَ الرَّجُلُ. زَادَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي رِوَايَتِهِ وَلَا يَضُرُّ حَرُّهَا يَوْمَئِذٍ مُؤْمِنًا وَلَا مُؤْمِنَةً. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ مَنْ يَكُونُ كَامِلَ الْإِيمَانِ؛ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمِقْدَادِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفِيضُ عَرَقًا حَتَّى يَسِيحَ فِي الْأَرْضِ قَامَةً، ثُمَّ يَرْتَفِعُ حَتَّى يَبْلُغَ أَنْفَهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَصَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُلْجِمُهُ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ: يَا رَبِّ، أَرِحْنِي وَلَوْ إِلَى النَّارِ. وَلِلْحَاكِمِ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوَهُ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمَوْقِفِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ وَالْمِقْدَادِ يَقَعُ مِثْلُهُ لِمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ: إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ - وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى حِقْوَيْهِ - وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذْهُ إِلَى عُنُقِهِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّارُ فِيهِ مَجَازًا عَنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ النَّاشِئِ عَنِ الْعَرَقِ فَيَتَّحِدُ الْمَوْرِدَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ. فَإِنَّ أَحْوَالَهُمْ فِي التَّعْذِيبِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّهُمْ فِي الْغَمَرَاتِ.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَعْمِيمُ النَّاسِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْبَعْضِ وَهُمُ الْأَكْثَرُ، وَيُسْتَثْنَى الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَأَشَدُّهُمْ فِي الْعَرَقِ الْكُفَّارُ، ثُمَّ أَصْحَابُ الْكَبَائِرِ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ قَلِيلٌ