للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَدَيْهِ مُلَبِّبًا قَاتِلَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا حَتَّى يَقِفَا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ الْحَدِيثَ، وَنَحْوُهُ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْقِصَاصِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَيُعْلَمُ مِنَ الْحَدِيثِ الثَّانِي، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ عِظَمُ أَمْرِ الدَّمِ، فَإِنَّ الْبُدَاءَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْأَهَمِّ وَالذَّنْبُ يَعْظُمُ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ، وَتَفْوِيتِ

الْمَصْلَحَةِ، وَإِعْدَامُ الْبِنْيَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ غَايَةٌ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّغْلِيظِ فِي أَمْرِ الْقَتْلِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَآثَارٌ شَهِيرَةٌ يَأْتِي بَعْضُهَا فِي أَوَّلِ الدِّيَاتِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي:

قَوْلُهُ: (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ.

قَوْلُهُ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ أَخِيهِ.

قَوْلُهُ: لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ قُضِيَ مِنْ حَسَنَاتِهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَسَنَاتِ الثَّوَابُ عَلَيْهَا، وَبِالسَّيِّئَاتِ الْعِقَابُ عَلَيْهَا، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ إِعْطَاءُ الثَّوَابِ وَهُوَ لَا يَتَنَاهَى فِي مُقَابَلَةِ الْعِقَابِ وَهُوَ مُتَنَاهٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُعْطَاهُ صَاحِبُ الْحَقِّ مِنْ أَصْلِ الثَّوَابِ مَا يُوَازِي الْعُقُوبَةَ عَنِ السَّيِّئَةِ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَبْقَى لِصَاحِبِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: سَيِّئَاتُ الْمُؤْمِنِ عَلَى أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ مُتَنَاهِيَةُ الْجَزَاءِ، وَحَسَنَاتُهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةِ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ ثَوَابِهَا الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ، فَوَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُعْطَى خُصَمَاءُ الْمُؤْمِنَ الْمُسِيءِ مِنْ أَجْرِ حَسَنَاتِهِ مَا يُوَازِي عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ؛ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ أُخِذَ مِنْ خَطَايَا خُصُومِهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعَذَّبُ إِنْ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، فَإِذَا انْتَهَتْ عُقُوبَةُ تِلْكَ الْخَطَايَا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ بِمَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الْخُلُودِ فِيهَا بِإِيمَانِهِ، وَلَا يُعْطَى خُصَمَاؤُهُ مَا زَادَ مِنْ أَجْرِ حَسَنَاتِهِ عَلَى مَا قَابَلَ عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ يَعْنِي مِنَ الْمُضَاعَفَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ وَافَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُؤْمِنًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي كِتَابِ الْمُوَازَنَةِ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ مَنْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ، فَالْأَوَّلُ فَائِزٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالثَّانِي يُقْتَضَى مِنْهُ بِمَا فَضَلَ مِنْ مَعَاصِيهِ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِنَ النَّفْخَةِ إِلَى آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِمِقْدَارِ قِلَّةِ شَرِّهِ وَكَثْرَتِهِ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، وَتَعَقَّبَهُ أَبُو طَالِبٍ عُقَيلُ بْنُ عَطِيَّةَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ بِأَنَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ فِيهِ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُ مِنْهُمْ، وَإِلَّا فَالْمُكَلَّفُ فِي الْمَشِيئَةِ، وَصَوَّبَ الثَّالِثَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ أَهْلُ الْأَعْرَافِ قَالَ: وَهُوَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ فِيهِمْ. قُلْتُ: قَدْ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ أَيْضًا: وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَنْ يُعَذَّبُ ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ، وَمَنْ يُعْفَى عَنْهُ فَلَا يُعَذَّبُ أَصْلًا.

وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ، فَيُنْصَبُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ وَيُنَادِي مُنَادٍ: هَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، فَمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فَلْيَأْتِ؛ فَيَأْتُونَ فَيَقُولُ الرَّبُّ: آتِ هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمْ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، فَنِيَتِ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُوتِيهِمْ، فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ فَأَعْطُوا كُلَّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِ طَلِبَتِهِ، فَإِنْ كَانَ نَاجِيًا وَفَضَلَ مِنْ حَسَنَاتِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ضَاعَفَهَا اللَّهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ بِهَا الْجَنَّةَ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَاحِبُ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ، يَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا ذَهَبَ يَوْمَئِذٍ وَلَا فِضَّةَ، فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَرُدَّتْ عَلَى الظَّالِمِ. أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ رَفَعَهُ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى أَقَصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةَ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ وَإِنَّمَا نُحْشَرُ حُفَاةً عُرَاةً؟ قَالَ: بِالسَّيِّئَاتِ وَالْحَسَنَاتِ، وَعَلَّقَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ فِي التَّوْحِيدِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فِي نَحْوِ حَدِيثِ