هُودٍ، وَفِي التَّوْحِيدِ، وَفِيهِ: وَيَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، وَجَاءَ فِي كَيْفِيَّةِ الْعَرْضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: تُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرْضَاتٍ: فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ، وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى انْتَهَى.
وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: الْجِدَالُ لِلْكُفَّارِ يُجَادِلُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رَبَّهُمْ، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا جَادَلُوا نَجَوْا، وَالْمَعَاذِيرُ اعْتِذَارُ اللَّهِ لِآدَمَ وَأَنْبِيَائِهِ بِإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَالثَّالِثَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْعَرْضُ الْأَكْبَرُ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: لَا يُحَاسَبُ رَجُلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَظَاهِرُهُ يُعَارِضُ حَدِيثَهَا الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ التَّعْذِيبِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَحِّدَ وَإِنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالتَّعْذِيبِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ أَوْ بِعُمُومِ الرَّحْمَةِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي:
حَدِيثُ أَنَسٍ: يُجَاءُ بِالْكَافِرِ ذَكَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَمِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، وَسَاقَهُ بِلَفْظِ سَعِيدٍ، وَأَمَّا لَفْظُ هِشَامٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: يُقَالُ لِلْكَافِرِ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِ يُجَاءُ، وَيُقَالُ: وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ فِي بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ يَقُولُ اللَّهُ ﷿ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ لِلْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَفْظُهُ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ كَيْفَ وَجَدْتَ مَضْجَعَكَ؟ فَيَقُولُ: شَرَّ مَضْجَعٍ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ تَفْتَدِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ ذَهَبًا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَضْجَعِ هُنَا مَضْجَعُهُ فِي الْقَبْرِ، فَيَلْتَئِمُ مَعَ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى.
قَوْلُهُ: فَيُقَالُ لَهُ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ كَذَبْتَ.
قَوْلُهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عِمْرَانَ فَيَقُولُ: أَرَد تُ مِنْكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا، وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لَا تُشْرِكْ بي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي، وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ: قَدْ سَأَلْتُكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ تَفْعَلْ فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ قَالَ عِيَاضٌ: يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ الْآيَةَ فَهَذَا الْمِيثَاقُ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ آدَمَ، فَمَنْ وَفَّى بِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ لَمْ يُوَفِّ بِهِ فَهُوَ الْكَافِرُ، فَمُرَادُ الْحَدِيثِ أَرَدْتُ مِنْكَ حِينَ أَخَذْتُ الْمِيثَاقَ، فَأَبَيْتَ إِذْ أَخْرَجْتُكَ إِلَى الدُّنْيَا إِلَّا الشِّرْكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ هُنَا الطَّلَبَ، وَالْمَعْنَى أَمَرْتُكَ فَلَمْ تَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ ﷾ لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يُرِيدُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا لَا يُرِيدُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَلَا مُسْتَحِيلٍ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَرَادَ إِيمَانَ الْمُؤْمِنِ وَكُفْرَ الْكَافِرِ، وَلَوْ أَرَادَ مِنَ الْكَافِرِ الْإِيمَانَ لَآمَنَ يَعْنِي لَوْ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ لَوَقَعَ، وَقَالَ أَهْلُ الِاعْتِزَالِ: بَلْ أَرَادَ مِنَ الْجَمِيعِ الْإِيمَانَ، فَأَجَابَ الْمُؤْمِنُ، وَامْتَنَعَ الْكَافِرُ، فَحَمَلُوا الْغَائِبَ عَلَى الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ مُرِيدَ الشَّرِّ شِرِّيرٌ، وَالْكُفْرُ شَرٌّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَهُ الْبَارِي، وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّرَّ شَرٌّ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْخَالِقِ فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute