مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادٍ بِلَفْظِ ذَاكُمُ الْعَرْضُ بِزِيَادَةِ مِيمِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ، وَهُوَ أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ بِمُعْجَمَاتٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِنِ اسْمِهِ، فَوَصَلَهَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ، وَوَقَعَتْ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي الْمَحَامِلِيَّاتِ وَفِي لَفْظِهِ زِيَادَةٌ قَالَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَشَدُّ؟ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ فَقَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَازَى بِأَسْوَأِ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا يُصِيبُهُ الْمَرَضُ حَتَّى النَّكْبَةُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يُعَذِّبْهُ. قَالَتْ: قُلْتُ: أَلَيْسَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ.
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكُنْيَةُ حَاتِمٍ أَبُو يُونُسَ، وَاسْمُ أَبِي صَغِيرَةَ مُسْلِمٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ زَوْجُ أُمِّ أَبِي يُونُسَ، وَقِيلَ: جَدُّهُ لِأُمِّهِ.
قَوْلُهُ: لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ ثُمَّ قَالَ: أَخِيرًا وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ وَكِلَاهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَاسَبَةِ تَحْرِيرُ الْحِسَابِ، فَيَسْتَلْزِمُ الْمُنَاقَشَةَ، وَمَنْ عُذِّبَ فَقَدْ هَلَكَ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ قَوْلُهُ: حُوسِبَ أَيْ حِسَابَ اسْتِقْصَاءٍ، وَقَوْلُهُ عُذِّبَ أَيْ فِي النَّارِ جَزَاءً عَلَى السَّيِّئَاتِ الَّتِي أَظْهَرَهَا حِسَابُهُ، وَقَوْلُهُ هَلَكَ أَيْ بِالْعَذَابِ فِي النَّارِ. قَالَ: وَتَمَسَّكَتْ عَائِشَةُ بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحِسَابِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ.
قَوْلُهُ: يُنَاقَشُ الْحِسَابَ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَالتَّقْدِيرُ يُنَاقَشُ فِي الْحِسَابِ. قوْلُهُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:) تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ انْشَقَّتْ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ بِلَفْظِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاءَكَ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ فِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ قَالَ: ذَاكَ الْعَرْضُ تُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدًا مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ. وَقَالَ غَرِيبٌ قُلْتُ: وَالرَّاوِي لَهُ عَنْ هَمَّامٍ عَلَيُّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ صَدُوقٌ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى قَالَ عِيَاضٌ: قَوْلُهُ عُذِّبَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ نَفْسَ مُنَاقَشَةِ الْحِسَابِ وَعَرْضِ الذُّنُوبِ وَالتَّوْقِيفِ عَلَى قَبِيحِ مَا سَلَفَ وَالتَّوْبِيخِ تَعْذِيبٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ إِذْ لَا حَسَنَةَ لِلْعَبْدِ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِإِقْدَارِهِ عَلَيْهَا وَتَفْضِلِهِ عَلَيْهِ بِهَا، وَهِدَايَتِهِ لَهَا، وَلِأَنَّ الْخَالِصَ لِوَجْهِهِ قَلِيلٌ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِيَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هَلَكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: التَّأْوِيلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ فَمَنِ اسْتُقْصِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَامَحْ هَلَكَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ عَامٌّ فِي تَعْذِيبِ كُلِّ مَنْ حُوسِبَ، وَلَفْظُ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يُعَذَّبُ ; وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِسَابِ فِي الْآيَةِ الْعَرْضُ، وَهُوَ إِبْرَازُ الْأَعْمَالِ وَإِظْهَارُهَا فَيُعَرِّفُ صَاحِبَهَا بِذُنُوبِهِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ عَنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَالطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ قَالَ: الرَّجُلُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ، ثُمَّ يُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهَا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ. الْحَدِيثَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمِ: مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَذَاكَ الَّذِي يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ زَادَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِي أَوْبَقَ نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ فِي مِثْلِهِ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ، وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute