للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ، وَأَمَّا النَّقَّاشُ فَنَقَلَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ صَاحِبِ السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَهُوَ مُتَّهَمٌ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الثَّعْلَبِيِّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ.

قُلْتُ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ، وَعَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الشَّفَاعَةُ، لَكِنَّ الشَّفَاعَةَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ الْعَامَّةُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي الشَّفَاعَةُ فِي إِخْرَاجِ الْمُذْنِبِينَ مِنَ النَّارِ. وَحَدِيثُ سَلْمَانَ الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَدِيثُ كَعْبٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَجَاءَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ كما سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا مَضَى فِي الزَّكَاةِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ، فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ مُرْسَلُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ، وَفِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ ; وَعِنْدَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَلَفْظُهُ: سُئِلَ النَّبِيُّ عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ فَقَالَ: هُوَ الشَّفَاعَةُ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: اخْتُلِفَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الشَّفَاعَةُ وَالْإِجْلَاسُ، وَالثَّالِثُ إِعْطَاؤُهُ لِوَاءَ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا لَا يُغَايِرُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَأَثْبَتَ غَيْرُهُ رَابِعًا، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ أَحَدِ صِغَارِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْجَبَّارِ وَبَيْنَ جِبْرِيلَ، فَيَغْبِطُهُ بِمَقَامِهِ ذَلِكَ أَهْلُ الْجَمْعِ. قُلْتُ: وَخَامِسًا هُوَ مَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ، وَهُوَ ثَنَاؤُهُ عَلَى رَبِّهِ، وَسَيَأْتِي سِيَاقُهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّابِعَ عَشَرَ، وَلَكِنَّهُ لَا يُغَايِرُ الْأَوَّلَ أَيْضًا، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ سَادِسًا: وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ قَالَ: يَشْفَعُ نَبِيُّكُمْ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ جِبْرِيلُ ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ مُوسَى أَوْ عِيسَى ثُمَّ نَبِيُّكُمْ لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ فِي أَكْثَرَ مِمَّا يَشْفَعُ فِيهِ الْحَدِيثَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُصَرَّحْ بِرَفْعِهِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ: الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ : أَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ. قُلْتُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ، فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُغَايِرُ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ فِي الْمُذْنِبِينَ، وَجَوَّزَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ سَابِعًا، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَاضِي ذِكْرُهُ فَقَالَ بَعْدَ أَنَّ أَوْرَدَهُ: هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ غَيْرُ الشَّفَاعَةِ ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فَأَقُولُ إِلَى الْمُرَاجَعَةِ فِي الشَّفَاعَةِ.

قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ، وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا إِلَى الشَّفَاعَةِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ إِعْطَاءَهُ لِوَاءَ الْحَمْدِ وَثَنَاءَهُ عَلَى رَبِّهِ وَكَلَامِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجُلُوسِهِ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَقِيَامِهِ أَقْرَبَ مِنْ جِبْرِيلَ، كُلُّ ذَلِكَ صِفَاتٌ لِلْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَشْفَعُ فِيهِ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، وَأَمَّا شَفَاعَتُهُ فِي إِخْرَاجِ الْمُذْنِبِينَ مِنَ النَّارِ فَمِنْ تَوَابِعِ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِي فَاعِلِ الْحَمْدِ مِنْ قَوْلِهِ: مَقَامًا مَحْمُودًا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الْمَوْقِفِ، وَقِيلَ النَّبِيُّ أَيْ أَنَّهُ هُوَ يَحْمَدُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ الْمَقَامِ بِتَهَجُّدِهِ فِي اللَّيْلِ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَاضِي فِي الزَّكَاةِ بِلَفْظِ: مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، أَيْ مَقَامًا يَحْمَدُهُ الْقَائِمُ فِيهِ، وَكُلُّ مَنْ عَرَفَهُ وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَا يَجْلِبُ الْحَمْدَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ، وَاسْتَحْسَنَ هَذَا أَبُو حَيَّانَ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ نَكِرَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مَقَامًا