الْجِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ قِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَيُقَالُ أَيْضًا: لِكُلِّ إِنَاءٍ يَغْلِي فِيهِ الْمَاءُ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ، وَالْقُمْقُمُ مَعْرُوفٌ مِنْ آنِيَّةِ الْعَطَّارِ، وَيُقَالُ: هُوَ إِنَاءٌ ضَيِّقُ الرَّأْسِ يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ يَكُونُ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ فَارِسِيٌّ، وَيُقَالُ: رُومِيٌّ وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَقَدْ يُؤَنَّثُ فَيُقَالُ: قَمْقَمَةٌ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: فِي هَذَا التَّرْكِيبِ نَظَرٌ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الصَّوَابُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ بِوَاوِ الْعَطْفِ لَا بِالْبَاءِ، وَجَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ أَوِ الْقُمْقُمُ بِالشَّكِّ وتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا فِي آخِرِ بَابُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ:
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي ذِكْرِ أَبِي طَالِبٍ، تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ السَّنَدَ الْمَذْكُورَ هُنَا، وَاخْتَصَرَ الْمَتْنَ، وَيَزِيدُ الْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ ابْنُ الْهَادِ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ، وَاسْمُ كُلٍّ مِنَ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ، والدَّرَاوَرْدِيِّ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُمَا مَدَنِيَّانِ مَشْهُورَانِ، وَكَذَا سَائِرُ رُوَاةِ هَذَا السَّنَدِ.
قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي ظَهَرَ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ وُقُوعُ هَذَا التَّرَجِّي، وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُهُ ﷺ: تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خُصَّ، وَلِذَلِكَ عَدُّوهُ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ ﷺ وَقِيلَ: مَعْنَى الْمَنْفَعَةِ فِي الْآيَةِ يُخَالِفُ مَعْنَى الْمَنْفَعَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي الْآيَةِ الْإِخْرَاجُ مِنَ النَّارِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَنْفَعَةُ بِالتَّخْفِيفِ، وَبِهَذَا الْجَوَابِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ صِحَّةُ الرِّوَايَةِ فِي شَأْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَا مَعْنَى لِلْإِنْكَارِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ، وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي الْكُفَّارِ إِنَّمَا امْتَنَعَتْ لِوُجُودِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ فِي أَنَّهُ لَا يُشَفَّعُ فِيهِمْ أَحَدٌ، وَهُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ كَافِرٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ مَنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ بِتَخْصِيصِهِ، قَالَ: وَحَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى أَنَّ جَزَاءَ الْكَافِرِ مِنَ الْعَذَابِ يَقَعُ عَلَى كُفْرِهِ وَعَلَى مَعَاصِيهِ، فَيَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ يَضَعُ عَنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ بَعْضَ جَزَاءِ مَعَاصِيهِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الشَّافِعِ، لَا ثَوَابًا لِلْكَافِرِ؛ لِأَنَّ حَسَنَاتِهِ صَارَتْ بِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْرِ هَبَاءً، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنْ أَنَسٍ: وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى حَسَنَاتُهُ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّفَاعَةِ، هَلْ هِيَ بِلِسَانٍ قَوْلِيٍّ أَوْ بِلِسَانٍ حَالِيٍّ؟ وَالْأَوَّلُ يُشْكِلُ بِالْآيَةِ وَجَوَابُهُ جَوَازُ التَّخْصِيصِ ; وَالثَّانِي يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا بَالَغَ فِي إِكْرَامِ النَّبِيِّ ﷺ وَالذَّبِّ عَنْهُ جُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ، فَأَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ شَفَاعَةً لِكَوْنِهَا بِسَبَبِهِ قَالَ: وَيُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُخَفَّفَ عَنْهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ أَثَرَ التَّخْفِيفِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنْ لَيْسَ فِي النَّارِ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ لَا تُطِيقُهُ الْجِبَالُ، فَالْمُعَذَّبُ لِاشْتِغَالِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ انْتِفَاعٌ بِالتَّخْفِيفِ.
قُلْتُ: وَقَدْ يُسَاعِدُ مَا سَبَقَ مَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ: أَرْضَعَتْنِي وَإِيَّاهَا ثُوَيْبَةُ قَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ أَبَا لَهَبٍ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: لَمْ أَرَ بَعْدَكُمْ خَيْرًا، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَجَوَّزَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا عُرِضَ عَلَى الْمِيزَانِ، وَرَجَحَتْ كِفَّةُ سَيِّئَاتِهِ بِالْكُفْرِ اضْمَحَلَّتْ حَسَنَاتُهُ، فَدَخَلَ النَّارَ لَكِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ مِنْهُمْ حَسَنَاتٌ مِنْ عِتْقٍ وَمُوَاسَاةِ مُسْلِمٍ لَيْسَ كَمَنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجَازَى بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ بِمِقْدَارِ مَا عَمِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ قُلْتُ لَكِنْ هَذَا الْبَحْثُ النَّظَرِيُّ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ وَحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: مَا أَحْسَنَ مُحْسِنٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute