يَشُكَّ بَلْ جَزَمَ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَقَعُ فِي الرَّابِعَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الْحَسَنَ حَدَّثَ مَعْبَدًا بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَأَقُومُ الرَّابِعَةَ وَفِيهِ قَوْلُ اللَّهِ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، وَأَنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: حَبَسَهُ الْقُرْآنُ يَتَنَاوَلُ الْكُفَّارَ وَبَعْضَ الْعُصَاةِ مِمَّنْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ فِي حَقِّهِ التَّخْلِيدُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْعُصَاةُ فِي الْقَبْضَةِ، وَتَبْقَى الْكُفَّارُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّخْلِيدِ فِي حَقِّ الْعُصَاةِ الْمَذْكُورِينَ الْبَقَاءَ فِي النَّارِ بَعْدَ إِخْرَاجِ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ.
قَوْلُهُ: حَتَّى مَا يَبْقَى فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا بَقِيَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ بَعْدَ الثَّالِثَةِ حَتَّى أَرْجِعَ فَأَقُولَ.
قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ عِنْدَ هَذَا أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ: إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ؛ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ كَذَا أَبْهَمَ قَائِلُ أَيْ وَجَبَ وَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ أَنَّهُ قَتَادَةُ، أَحَدُ رُوَاتِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ، وَسَعِيدٍ: فَأَقُولُ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ، وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ مِثْلُ مَا ذَكَرْتُ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ مُدْرَجٌ فِي الْمَرْفُوعِ لِمَا تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، فَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ: مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَيْ مَنْ أَخْبَرَ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ، وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ: إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ يَقُولُ: وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ، وَقَالَ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ قَالَ: فَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: فَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً الْحَدِيثَ، وَهُوَ الَّذِي فَصَّلَهُ هِشَامٌ مِنَ الْحَدِيثِ، وَسَبَقَ سِيَاقُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مُفْرَدًا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ثُمَّ أَقُومُ الرَّابِعَةَ
فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَقُولُ لِي: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، فَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ فِي إِخْرَاجِهِمْ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنَ الْعُصَاةِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا فِي أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ ثَبَتَ تَخْصِيصُ الْمُوَحِّدِينَ بِالْإِخْرَاجِ، وَلَعَلَّ التَّأْيِيدَ فِي حَقِّ مَنْ يَتَأَخَّرُ بَعْدَ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ حَتَّى يَخْرُجُوا بِقَبْضَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، فَيَكُونُ التَّأْيِيدُ مُؤَقَّتًا، وَقَالَ عِيَاضٌ: اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ جَوَّزَ الْخَطَايَا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كَقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذُكِرَ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ عَنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَكَذَا قَبْلَهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْكَبِيرَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَيُلْتَحَقُ بِهَا مَا يُزْرِي بِفَاعِلِهِ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا يَقْدَحُ فِي الْإِبْلَاغِ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْفِعْلِ، فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ حَتَّى فِي النِّسْيَانِ، وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ السَّهْوَ لَكِنْ لَا يَحْصُلُ التَّمَادِي، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ مِنَ الصَّغَائِرِ؛ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ وَالْآيَاتِ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ بِضُرُوبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ عَنْهُمْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَأْوِيلٍ مِنْ بَعْضِهِمْ، أَوْ بِسَهْوٍ، أَوْ
بِإِذْنٍ، لَكِنْ خَشُوا أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَقَامِهِمْ، فَأَشْفَقُوا مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ أَوِ الْمُعَاتَبَةِ، قَالَ: وَهَذَا أَرْجَحُ الْمَقَالَاتِ، وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِنْ قَالُوا بِعِصْمَتِهِمْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَنْزَعَهُمْ فِي ذَلِكَ التَّكْفِيرُ بِالذُّنُوبِ مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ الْكُفْرُ، وَمَنْزَعُنَا أَنَّ أُمَّةَ النَّبِيِّ مَأْمُورَةٌ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ، فَلَوْ جَازَ مِنْهُ وُقُوعُ الْمَعْصِيَةِ لَلَزِمَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute