للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدَّاعِي هُنَا مَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ لِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِ الْمَوْقِفِ فِي بَابُ الْحَشْرِ، وَزَادَ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَتِهِ: فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُطَّلِعًا عَلَى خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِعْلَامُهُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ وَأَصْلُهُ فِي النَّسَائِيِّ: إِذَا حُشِرَ النَّاسُ قَامُوا

أَرْبَعِينَ عَامًا شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَالشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، حَتَّى يُلْجِمَ الْعَرَقُ كُلَّ بَرٍّ مِنْهُمْ وَفَاجِرٍ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ: يُخَفَّفُ الْوُقُوفُ عَنِ الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ كَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَلِأَبِي يَعْلَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: وَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ.

قَوْلُهُ: فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ. قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: فِي التَّنْصِيصِ عَلَى ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَعَ دُخُولِهِمَا فِيمَنْ عُبِدَ دُونَ اللَّهِ التَّنْوِيهُ بِذِكْرِهِمَا لِعِظَمِ خَلْقِهِمَا، وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَيّهَا النَّاسُ أَلَيْسَ عَدْل مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مَا كَانَ تَوَلَّى؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: بَلَى، ثُمَّ يَقُولُ: لِتَنْطَلِقْ كُلُّ أُمَّةٍ إِلَى مَنْ كَانَتْ تَعْبُدُ، وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَلَا لِيَتْبَعْ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانَ يَعْبُدُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَيَلْقَى الْعَبْدُ فَيَقُولُ: أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ: إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَيَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ: آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ، فَيَقُولُ: أَلَا نَبْعَثُ عَلَيْكَ شَاهِدًا؟ فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ وَتَنْطِقُ جَوَارِحُهُ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَلَا لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ.

قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ: الطَّوَاغِيتُ: جَمْعُ طَاغُوتٍ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَالصَّنَمُ، وَيَكُونُ جَمْعًا وَمُفْرَدًا وَمُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ كُلُّ طَاغٍ طَغَى عَلَى اللَّهِ يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ إِمَّا بِقَهْرٍ مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَ، وَإِمَّا بِطَاعَةٍ مِمَّنْ عَبَدَ إِنْسَانًا كَانَ أَوْ شَيْطَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا، قَالَ: فَاتِّبَاعُهُمْ لَهُمْ حِينَئِذٍ بِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى الِاعْتِقَادِ فِيهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ بِأَنْ يُسَاقُوا إِلَى النَّارِ قَهْرًا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ: فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ يَرْضَى بِذَلِكَ، أَوِ الْجَمَادَ وَالْحَيَوَانَ دَالُّونَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ فَلَا، لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَنْطَلِقُونَ، وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَيَتَمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ وَلِصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ، فَأَفَادَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَعْمِيمَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ إِلَّا مَنْ سَيُذْكَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُ يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ الْآتِي ذِكْرُهُ.

وَأَمَّا التَّعْبِيرُ بِالتَّمْثِيلِ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ تَلْبِيسًا عَلَيْهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْذِيبَ، وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَيُحْضَرُونَ حَقِيقَةً لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾

قَوْلُهُ: وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ، قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ حَتَّى مِنَ الْجِنِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ. قُلْتُ: وَيُؤْخَذُ أَيْضًا