للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِإِثْبَاتِهِمَا.

قَوْلُهُ: تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ) الْمُرَادُ تَشْبِيهُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْوُضُوحِ، وَزَوَالِ الشَّكِّ وَرَفْعِ الْمَشَقَّةِ وَالِاخْتِلَافِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا الطَّيِّبِ الصُّعْلُوكِيَّ يَقُولُ: تُضَامُّونَ، بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ يُرِيدُ: لَا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ فِي جِهَةٍ وَلَا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَإِنَّهُ لَا يُرَى فِي جِهَةٍ، وَمَعْنَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: لَا تَتَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِالِاجْتِمَاعِ فِي جِهَةٍ، وَهُوَ بِغَيْرِ تَشْدِيدٍ مِنَ الضَّيْمِ، مَعْنَاهُ: لَا تُظْلَمُونَ فِيهِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتِكُمْ كُلِّهَا، وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الْجِهَةِ، قَالَ: وَالتَّشْبِيهُ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لِتَعْيِينِ الرُّؤْيَةِ دُونَ تَشْبِيهِ الْمَرْئِيِّ ، وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّمَا خَصَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ رُؤْيَةَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ سَحَابٍ أَكْبَرُ آيَةٍ وَأَعْظَمُ خَلْقًا مِنْ مُجَرَّدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ؛ لِمَا خُصَّا بِهِ مِنْ عَظِيمِ النُّورِ وَالضِّيَاءِ، بِحَيْثُ صَارَ التَّشْبِيهُ بِهِمَا فِيمَنْ يُوصَفُ بِالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ سَائِغًا شَائِعًا فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: قَدْ يَتَخَيَّلُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْكَافَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلْمَرْئِيِّ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هِيَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلرُّؤْيَةِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّائِي، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ رُؤْيَةٌ مُزَاحٌ عَنْهَا الشَّكُّ مِثْلُ رُؤْيَتِكُمُ الْقَمَرَ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ: فِي الِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ الْقَمَرِ قَبْلَ الشَّمْسِ مُتَابَعَةً لِلْخَلِيلِ، فَكَمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فِي الْمِلَّةِ اتَّبَعَهُ فِي الدَّلِيلِ، فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَبِيبُ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ، فَاسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْخُلَّةَ تَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ، وَالْمَحَبَّةِ لَا تَقَعُ غَالِبًا إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ، وَفِي عَطْفِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ مَعَ أَنَّ تَحْصِيلَ الرُّؤْيَةِ بِذِكْرِهِ كَافٍ؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ لَا يُدْرِكَ وَصْفَهُ الْأَعْمَى حِسًّا بَلْ تَقْلِيدًا، وَالشَّمْسُ يُدْرِكُهَا الْأَعْمَى حِسًّا بِوُجُودِ حَرِّهَا إِذَا قَابَلَهَا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ مَثَلًا، فَحَسُنَ التَّأْكِيدُ بِهَا، قَالَ: وَالتَّمْثِيلُ وَاقِعٌ فِي تَحْقِيقِ الرُّؤْيَةِ لَا فِي الْكَيْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مُتَحَيِّزَانِ، وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

قُلْتُ: وَلَيْسَ فِي عَطْفِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ إِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَرِيرٍ: الْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْقَمَرِ أَنَّهُ تَتَيَسَّرُ رُؤْيَتُهُ لِلرَّائِي بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَحْدِيقٍ يَضُرُّ بِالْبَصَرِ، بِخِلَافِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهَا حِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُرُودَ ذِكْرِ الشَّمْسِ بَعْدَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَجْلِسَ وَاحِدٌ خُدِشَ فِي ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ، ثُمَّ يَتَوَارَى، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ مُمْكِنَةٌ وَنَفَتْهَا الْمُبْتَدِعَةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، وَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُمْ؛ فَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِهَا فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَجَابَ الْأَئِمَّةُ عَنِ اعْتِرَاضَاتِ الْمُبْتَدِعَةِ بِأَجْوِبَةٍ مَشْهُورَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّؤْيَةِ تَقَابُلُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ، وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْتَرَضَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى رِوَايَةِ الْعَلَاءِ، وَأَنْكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ الْوَاقِعَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الْوَاسِطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ الْكُفَّارَ وَلَا يَرَوْنَهُ الْبَتَّةَ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يَرَوْنَهُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ.

قَوْلُهُ: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: يَحْشُرُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَقَوْلُهُ: فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: فِي مَكَانٍ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ: فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّعِيدُ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ، وَيَنْفُذُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ؛ أَيْ: يَخْرِقُهُمْ بِمُعْجَمَةٍ وَقَافٍ حَتَّى يُجَوِّزُهُمْ، وَقِيلَ: بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ يَسْتَوْعِبُهُمْ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ بَصَرُ النَّاظِرِينَ وَهُوَ أَوْلَى، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى مِنْهُمْ أَحَدٌ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى مِنْهُمْ أَحَدٌ لَوْ دَعَاهُمْ دَاعٍ لَسَمِعُوهُ، وَلَوْ نَظَرَ إِلَيْهِمْ نَاظِرٌ لَأَدْرَكَهُمْ،