ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ إِلَى نُورِكُمْ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ. وَفِي لَفْظٍ: فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ وَدُونَ ذَلِكَ، وَمِثْلَ النَّخْلَةِ وَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ: وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورًا - إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ يُطْفئ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ: فَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورًا، ثُمَّ يُوَجَّهُونَ إِلَى الصِّرَاطِ فَمَا كَانَ مِنْ مُنَافِقٍ طُفِئَ نُورُهُ، وَفِي لَفْظِ: فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ الْآيَةَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: وَإِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَوَاطِنَ حَتَّى يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَتَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، فَتَغْشَى النَّاسَ الظُّلْمَةُ، فَيُقْسَمُ النُّورُ، فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ، وَلَا يُعْطَى الْكَافِرُ وَلَا الْمُنَافِقُ مِنْهُ شَيْئًا، فَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ الْآيَةَ. فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِمَ فِيهِ النُّورُ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا، فَيُضْرَبُ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ.
قَوْلُهُ (فَيَتْبَعُونَهُ) قَالَ عِيَاضٌ: أَيْ فَيَتْبَعُونَ أَمْرَهُ، أَوْ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ، فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ.
(تَنْبِيهٌ): حَذَفَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، كَمَا حَذَفَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا ثَبَتَ هُنَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْمَوْقِفِ، فَيَنْتَظِمُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُمْ إِذَا حُشِرُوا وَقَعَ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ تَسَاقُطِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، وَيَبْقَى مَنْ عَدَاهُمْ فِي كَرْبِ الْمَوْقِفِ فَيَسْتَشْفِعُونَ، فَيَقَعُ الْإِذْنُ بِنَصْبِ الصِّرَاطِ فَيَقَعُ الِامْتِحَانُ بِالسُّجُودِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُنَافِقُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، ثُمَّ يَجُوزُونَ عَلَى الصِّرَاطِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هُنَا: ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
قَوْلُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: يَجُوزُ بِأُمَّتِهِ، وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: يُجِيزُهَا، وَالضَّمِيرُ لِجَهَنَّمَ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: جَازَ الْوَادِيَ: مَشَى فِيهِ، وَأَجَازَهُ: قَطَعَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: جَازَ وَأَجَازَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْنَى: أَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يَمْضِي عَلَى الصِّرَاطِ وَيَقْطَعُهُ، يَقُولُ: جَازَ الْوَادِيَ وَأَجَازَهُ إِذَا قَطَعَهُ وَخَلَّفَهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ هُنَا لِلتَّعَدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ وَأُمَّتُهُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ، لَزِمَ تَأْخِيرُ غَيْرِهِمْ عَنْهُمْ، حَتَّى يَجُوزَ، فَإِذَا جَازَ هُوَ وَأُمَّتُهُ فَكَأَنَّهُ أَجَازَ بَقِيَّةَ النَّاسِ. انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ: ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ؟ فَيَقُومُ فَتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا، فَيَأْخُذُونَ الْجِسْرَ، فَيَطْمِسُ اللَّهُ أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ، فَيَتَهَافَتُونَ مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَيَنْجُو النَّبِيُّ وَالصَّالِحُونَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ: نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، وَفِيهِ: فَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا فَنَمُرُّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ، فَتَقُولُ الْأُمَمُ: كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ.
قَوْلُهُ: وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ، وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: وَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ: وَقَوْلُهُمُ اللَّهُمَّ: سَلِّمْ سَلِّمْ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الصِّرَاطِ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَالضَّمِيرُ فِي الْأَوَّلِ لِلرُّسُلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْكَلَامِ شِعَارَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْطِقُوا بِهِ، بَلْ تَنْطِقُ بِهِ الرُّسُلُ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالسَّلَامَةِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ شِعَارًا لَهُمْ، فَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ: فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ: فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ والرِّكَابِ، وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا: فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَمَرِّ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّحَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute