تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ، فَيَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلُ جِيَادِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ: انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، ثُمَّ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ كَالسَّحَابِ، ثُمَّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، ثُمَّ كَالرِّيحِ، ثُمَّ كَشَدِّ الْفَرَسِ، ثُمَّ كَشَدِّ الرَّحْلِ، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ الَّذِي أُعْطِيَ نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، يَجُرُّ بِيَدٍ وَيَعْلَقُ يَدٌ، وَيَجُرُّ بِرِجْلٍ وَيَعْلَقُ رِجْلٌ،
وَتَضْرِبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ، حَتَّى يَخْلُصَ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَمَرِّ الْبَرْقِ، ثُمَّ الرِّيحِ، ثُمَّ الطَّيْرِ، ثُمَّ أَجْوَدِ الْخَيْلِ، ثُمَّ أَجْوَدِ الْإِبِلِ، ثُمَّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ، حَتَّى إِنَّ آخِرَهُمْ رَجُلٌ نُورُهُ عَلَى مَوْضِعِ إِبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّرَاطُ، وَعِنْدَ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: بَعْدَ الرِّيحِ، ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْيًا، ثُمَّ مَشْيًا، ثُمَّ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لِمَ أَبْطَأْتَ بِي؟ فَيَقُولُ: أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ، وَلِابْنِ الْمُبَارَكَ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: فَيَجُوزُ الرَّجُلُ كَالطَّرْفِ وَكَالسَّهْمِ، وَكَالطَّائِرِ السَّرِيعِ. وَكَالْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ. وَيَجُوزُ الرَّجُلُ يَعْدُو عَدْوًا وَيَمْشِي مَشْيًا حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يَنْجُو يَحْبُو.
قَوْلُهُ: وَبِهِ كَلَالِيبُ: الضَّمِيرُ لِلصِّرَاطِ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ، وَفِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا: وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ: وَعَلَيْهِ كَلَالِيبُ النَّارِ، وَكَلَالِيبُ جَمْعُ كَلُّوبٍ بِالتَّشْدِيدِ وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَبَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ الْكَلَالِيبُ هِيَ الشَّهَوَاتُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي: حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، قَالَ: فَالشَّهَوَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَوَانِبِهَا، فَمَنِ اقْتَحَمَ الشَّهْوَةَ سَقَطَ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهَا خَطَاطِيفُهَا، وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَيَقُومَانِ جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، أَيْ: يَقِفَانِ فِي نَاحِيَتَيِ الصِّرَاطِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، وَيَجُوزُ سُكُونُ النُّونِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَانَةَ وَالرَّحِمَ لِعِظَمِ شَأْنِهِمَا وَفَخَامَةِ مَا يَلْزَمُ الْعِبَادُ مِنْ رِعَايَةِ حَقِّهِمَا يُوقَفَانِ هُنَاكَ لِلْأَمِينِ وَالْخَائِنِ وَالْمُوَاصِلِ وَالْقَاطِعِ، فَيُحَاجَّانِ عَنِ الْمُحِقِّ، وَيَشْهَدَانِ عَلَى الْمُبْطِلِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ مَا فِي قَوْلِهِ: - تَعَالَى -: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ الْآيَةَ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ مَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، فَكَأَنَّهُمَا اكْتَنَفَتَا جَنْبَتَيِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَفُطْرَتَيِ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ الْقَوِيمِ.
قَوْلُهُ: مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ بِالسِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالسَّعْدَانُ جَمْعُ سَعْدَانَةٍ، وَهُوَ نَبَاتٌ ذُو شَوْكٍ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي طِيبِ مَرْعَاهُ قَالُوا: مَرْعًى وَلَا كَالسَّعْدَانِ.
قَوْلُهُ: أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ هُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، أَيِ الشَّوْكَةِ، وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: غَيْرَ أَنَّهُ، وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَيَّدْنَاهُ - أَيْ لَفْظَ قَدْرٍ - عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ اسْتِفْهَامًا، وَقَدْرُ مُبْتَدَأٌ، وَبِنَصْبِهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مَا زَائِدَةً، وَقَدْرُ مَفْعُولَ يَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: فَتَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِفَتْحِهَا، قَالَ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ: خَطِفَ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي، وَبِالْفَتْحِ فِي الْمُضَارِعِ، وَحَكَى الْقَزَّازُ عَكْسَهُ، وَالْكَسْرُ فِي الْمُضَارِعِ أَفْصَحُ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: تَشْبِيهُ الْكَلَالِيبِ بِشَوْكِ السَّعْدَانِ خَاصٌّ بِسُرْعَةِ اخْتِطَافِهَا وَكَثْرَةِ الِانْتِشَابِ فِيهَا، مَعَ التَّحَرُّزِ وَالتَّصَوُّنِ تَمْثِيلًا لَهُمْ بِمَا عَرَفُوهُ فِي الدُّنْيَا، وَأَلِفُوهُ بِالْمُبَاشَرَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى إِشَارَةً إِلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ لَمْ يَقَعْ فِي مِقْدَارِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ السُّدِّيِّ: وَبِحَافَتَيْهِ مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ نَارٍ، يَخْتَطِفُونَ بِهَا النَّاسَ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: قُلْنَا وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، أَيْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute