كَذَّبَ اللَّهَ، وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ لَمْ يُوَحِّدْهُ.
قَوْلُهُ: أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ) فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الشَّفَاعَةِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ: فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجهُمْ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤْمَرُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ بِذَلِكَ، فَالَّذِينَ يُبَاشِرُونَ الْإِخْرَاجَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِهِ: ذَرَّةٌ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا وَفِيهِ: فَيَقُولُ اللَّهُ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، وَفِي حَدِيثِ مَعْبَدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي التَّوْحِيدِ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَبِرَحْمَتِي، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ كُلَّ مَا قُدِّرَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمِقْدَارِ شَعِيرَةٍ ثُمَّ حَبَّةٍ ثُمَّ خَرْدَلَةٍ ثُمَّ ذَرَّةٍ غَيْر الْإِيمَانِ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ، بَلْ هُوَ مَا يُوجَدُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ثَمَرَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ازْدِيَادُ الْيَقِينِ وَطُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ تَضَافُرَ الْأَدِلَّةِ أَقْوَى لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ، وَأَثْبَتُ لِعَدَمِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ الْعَمَلُ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِالْعَمَلِ، وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَقَوْلُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، أَيْ أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِاسْمِي، وَإِجْلَالًا لِتَوْحِيدِي، وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى عُمُومِهِ، وَيُحْمَلَ عَلَى حَالٍ وَمَقَامٍ آخَرَ قَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا فَسَّرْنَا مَا يَخْتَصُّ بِاللَّهِ بِالتَّصْدِيقِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الثَّمَرَةِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِرَسُولِهِ هُوَ الْإِيمَانُ مَعَ الثَّمَرَةِ مِنِ ازْدِيَادِ الْيَقِينِ أَوِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ حَصَلَ الْجَمْعُ قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ مُبَاشَرَةُ الْإِخْرَاجِ لَا أَصْلَ الشَّفَاعَةِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ الْأَخِيرَةُ وَقَعَتْ فِي إِخْرَاجِ الْمَذْكُورِينَ، فَأُجِيبَ إِلَى أَصْلِ الْإِخْرَاجِ، وَمُنِعَ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ، فَنُسِبَتْ إِلَى شَفَاعَتِهِ فِي حَدِيثِ: أَسْعَدُ
النَّاسِ لِكَوْنِهِ ابتداء بِطَلَبِ ذَلِكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى -. وَقَدْ مَضَى شَرْحُ حَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى.
قَوْلُهُ: فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ) فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: تُعْرَفُ صِفَةُ هَذَا الْأَثَرِ مِمَّا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ ﷾: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ لِأَنَّ وُجُوهَهُمْ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النَّارُ فَتَبْقَى صِفَتُهَا بَاقِيَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يَعْرِفُونَهُمْ بِالْغُرَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهَذِهِ الْأَمَةِ، وَالَّذِينَ يُخْرَجُونَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ
قَوْلُهُ: (وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ) هُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: كَيْفَ يَعْرِفُونَ أَثَرَ السُّجُودِ مَعَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ اللَّهُ بِالشَّفَاعَةِ، فَإِذَا صَارُوا فَحْمًا كَيْفَ يَتَمَيَّزُ مَحَلُّ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يُعْرَفَ أَثَرُهُ؟ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ تَخْصِيصُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِنْ عُمُومِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ، وَأَنَّ اللَّهَ مَنَعَ النَّارَ أَنْ تُحْرِقَ أَثَرَ السُّجُودِ مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَهَلِ الْمُرَادُ بِأَثَرِ السُّجُودِ نَفْسُ الْعُضْوِ الَّذِي يَسْجُدُ أَوِ الْمُرَادُ مَنْ سَجَدَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ؛ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَذَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُذْنِبِينَ مُخَالِفٌ لِعَذَابِ الْكُفَّارِ، وَأَنَّهَا لَا تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِمْ إِمَّا إِكْرَامًا لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَعِظَمِ مَكَانِهِمْ مِنَ الْخُضُوعِ لِلَّهِ - تَعَالَى - أَوْ لِكَرَامَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي خُلِقَ آدَمُ وَالْبَشَرُ عَلَيْهَا وَفُضِّلُوا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute