أَنَّهُ يَنْكَفِئُ فِي قَعْرِهَا. وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخِرَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، عَلَى حَسَكٍ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ بِهِ، ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ بِهِ، وَمَنْكُوسٌ فِيهَا.
قَوْلُهُ: حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، كَذَا لِمَعْمَرٍ هُنَا، وَوَقَعَ لِغَيْرِهِ بَعْدَ هَذَا، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الْفَرَاغُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ مَعْنَاهُ الْقَضَاءُ وَحُلُولُهُ بِالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ: إِخْرَاجُ الْمُوَحِّدِينَ وَإِدْخَالُهُمُ الْجَنَّةَ وَاسْتِقْرَارُ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى يَفْرُغُ اللَّهُ أَيْ مِنَ الْقَضَاءِ بِعَذَابِ مَنْ يَفْرُغُ عَذَابُهُ، وَمَنْ لَا يَفْرُغُ، فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْفَرَاغِ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: مَعْنَاهُ: وَصْلُ الْوَقْتِ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَرْحَمُهُمْ، وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَاضِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ: أَنَّ الْإِخْرَاجَ يَقَعُ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَالْبَيْهَقِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبَّاهُ حَرَقْتَ بَنِيَّ فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ آدَمُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ يَتَبَيَّنُ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا.
الْحَدِيثَ، هَكَذَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الْآتِيَةِ فِي التَّوْحِيدِ، وَوَقَعَ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ بْنِ مَيْسَرَةَ اخْتِلَافٌ فِي سِيَاقِهِ، سَأُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ شَفَعُوا، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ رَفَعَهُ: يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ النَّارَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدُهُمْ إِلَّا اللَّهُ بِمَا عَصَوُا اللَّهَ وَاجْتَرَءُوا عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَخَالَفُوا طَاعَتَهُ، فَيُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ، فَأُثْنِي عَلَى اللَّهِ سَاجِدًا كَمَا أُثْنِي عَلَيْهِ قَائِمًا، فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، الْحَدِيثَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ تَشْفَعُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ ذِكْرُ سَبَبٍ آخَرَ لِإِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ، وَلَفْظُهُ: وَفَرَغَ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ، وَأَدْخَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّتِي النَّارَ، مَعَ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ لَا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: فَبِعِزَّتِي لَأُعْتِقَنَّهُمْ مِنَ النَّارِ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فَيُخْرَجُونَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَالْبَزَّارِ رَفَعَهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ وَمَعَهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يَقُولُ لَهُمُ الْكُفَّارُ: أَلَمْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: بَلَى.
قَالُوا: فَمَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ، وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ؟ فَقَالُوا: كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ، فَأُخِذْنَا بِهَا، فَيَأْمُرُ اللَّهُ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا، فَقَالَ الْكُفَّارُ يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ، وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الْأَنْبِيَاءَ، فَيَشْفَعُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ، فَيَشْفَعُونَ، ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الشُّهَدَاءَ، فَيَشْفَعُونَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَالْبَيْهَقِيِّ مَرْفُوعًا: يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَيُنْجِي اللَّهُ مَنْ شَاءَ بِرَحْمَتِهِ، ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ، فَيَشْفَعُونَ وَيَخْرُجُونَ.
قَوْلُهُ: مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ يَذْكُرِ الرِّسَالَةَ إِمَّا لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَلَازَمَا فِي النُّطْقِ غَالِبًا وَشَرْطًا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَوْلَى، أَوْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَغَيْرُهَا، وَلَوْ ذُكِرَتِ الرِّسَالَةُ لَكَثُرَ تَعْدَادُ الرُّسُلِ قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيُعَكِّرُ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِلَفْظٍ جَامِعٍ، كَأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: وَنُؤْمِنُ بِرُسُلِهِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ بِغَيْرِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ مَنْ جَحَدَ الرِّسَالَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute