للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَصَالَحَهُ، وَتَقَدَّمَ لَهَا ذِكْرٌ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا صَنْعَاءُ فَإِنَّمَا قُيِّدَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْيَمَنِ احْتِرَازًا مِنْ صَنْعَاءَ الَّتِي بِالشَّامِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا صَنْعَاءُ الْيَمَنِ لَمَّا هَاجَرَ أَهْلُ الْيَمَنِ فِي زَمَنِ عُمَرَ عِنْدَ فُتُوحِ الشَّامِ نَزَلَ أَهْلُ صَنْعَاءَ فِي مَكَانٍ مِنْ دِمَشْقَ، فَسُمِّيَ بِاسْمِ بَلَدِهِمْ، فَعَلَى هَذَا فَمِنْ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنَ الْيَمَنِ: إِنْ كَانَتِ ابْتِدَائِيَّةً، فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَرْفُوعًا، وَإِنْ كَانَتْ بَيَانِيَّةً، فَيَكُونُ مُدْرَجًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ.

وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَيْضًا: كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ، وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مِثْلُهُ، لَكِنْ قَالَ: عَدَنَ بَدَلَ صَنْعَاءَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَبْعَدَ مِنْ أَيْلَةَ إِلَى عَدَنَ، وَعَدَنُ بِفَتْحَتَيْنِ بَلَدٌ مَشْهُورٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فِي أَوَاخِرِ سَوَاحِلِ الْيَمَنِ وَأَوَائِلِ سَوَاحِلِ الْهِنْدِ، وَهِيَ تُسَامِتُ صَنْعَاءَ، وَصَنْعَاءُ فِي جِهَةِ الْجِبَالِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: مَا بَيْنَ عُمَانَ إِلَى أَيْلَةَ، وَعُمَانُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ بَلَدٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرَيْنِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ: مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَقَارِبَةٌ؛ لِأَنَّهَا كُلُّهَا نَحْوَ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى التَّحْدِيدُ بِمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ؛ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ: مَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّانَ الْبَلْقَاءَ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَعَمَّانُ هَذِهِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلْأَكْثَرِ، وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا، وَتُنْسَبُ إِلَى الْبَلْقَاءِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا.

وَالْبَلْقَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ وَبِالْمَدِّ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ فِلَسْطِينَ، وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ: مَا بَيْنَ بُصْرَى إِلَى صَنْعَاءَ أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ، وَبُصْرَى بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بِطَرَفِ الشَّامِ مِنْ جِهَةِ الْحِجَازِ، تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ: بُعْدَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَأَيْلَةَ، وَفِي لَفْظٍ: مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعَمَّانَ، وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ: مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى بُصْرَى، وَمِثْلُهُ لِابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ إِلَى أَيْلَةَ أَوْ بَيْنَ صَنْعَاءَ وَمَكَّةَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنِ مَاجَهْ: مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: كَمَا بَيْنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى، وَالْبَيْضَاءُ بِالْقُرْبِ مِنَ الرَّبَذَةِ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَهَذِهِ الْمَسَافَاتُ مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى نَحْوِ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ تَنْقُصُ، وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَسَأَلْتُهُ قَالَ: قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَنَحْوُهُ لَهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، لَكِنْ قَالَ: ثَلَاثَ لَيَالٍ.

وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ؛ فَقَالَ عِيَاضٌ: هَذَا مِنِ اخْتِلَافِ التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، فَيُعَدُّ اضْطِرَابًا مِنَ الرُّوَاةِ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ يَضْرِبُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَارِ الْحَوْضِ وَسَعَتُهُ بِمَا يَسْنَحُ لَهُ مِنَ الْعِبَارَةِ ويقرب ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِبُعْدِ بَيْنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ لَا عَلَى إِرَادَةِ الْمَسَافَةِ الْمُحَقَّقَةِ، قَالَ: فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ وَالتَّقْدِيرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَقَارَبُ، وَأَمَّا هَذَا الِاخْتِلَافُ الْمُتَبَاعِدُ الَّذِي يَزِيدُ تَارَةً عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَنْقُصُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَنَّ بَعْضُ الْقَاصِرِينَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِ الْحَوْضِ اضْطِرَابٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَزَادَ: وَلَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّهُ كَبِيرٌ مُتَّسِعٌ مُتَبَاعِدُ الْجَوَانِبِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ لِلْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَسَبِ مَنْ حَضَرَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ تِلْكَ الْجِهَةَ فَيُخَاطِبُ كُلَّ قَوْمٍ بِالْجِهَةِ