نَفْسًا مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَهُوَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ صَاحِبِ النَّبِيِّ ﷺ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوَّلُ ثُلَاثِيٍّ وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ أَعْلَى مِنَ الثُّلَاثِيَّاتِ، وَقَدْ أُفْرِدَتْ فَبَلَغَتْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ حَدِيثًا.
قَوْلُهُ: (مَنْ يَقُلْ) أَصْلُهُ يَقُولُ، وَإِنَّمَا جُزِمَ بِالشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ أَقُلْ) أَيْ: شَيْئًا لَمْ أَقُلْهُ فَحَذَفَ الْعَائِدَ وَهُوَ جَائِزٌ، وَذَكَرَ الْقَوْلَ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ، وَحُكْمُ الْفِعْلِ كَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عِلَّةِ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ دَخَلَ الْفِعْلُ فِي عُمُومِ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَسٍ السَّابِقَيْنِ لِتَعْبِيرِهِمَا بِلَفْظِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُمَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ حَدِيثِ سَلَمَةَ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَذَا، وَفَعَلَ كَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَالَهُ أَوْ فَعَلَهُ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ مَنْ مَنَعَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى. وَأَجَابَ الْمُجِيزُونَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِلَفْظٍ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْحُكْمِ مَعَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِاللَّفْظِ لَا شَكَّ فِي أَوْلَوِيَّتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١١٠ - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ.
[الحديث ١١٠ - أطرافه في: ٦٩٩٣، ٦١٩٧، ٦١٨٨، ٣٥٣٩]
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُوسَى) هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي حَصِينٍ) هُوَ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ، وَأَبُو صَالِحٍ هُوَ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدِ اقْتَصَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ لَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَإِنَّمَا سَاقَهُ الْمُؤَلِّفُ بِتَمَامِهِ وَلَمْ يَخْتَصِرْهُ كَعَادَتِهِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْتَوِي فِيهِ الْيَقَظَةُ وَالْمَنَامُ. وَاللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَذِبُ مَعْصِيَةٌ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ، وَالْمَعَاصِي قَدْ تُوُعِّدَ عَلَيْهَا بِالنَّارِ، فَمَا الَّذِي امْتَازَ بِهِ الْكَاذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَى مَنْ كَذَبَ عَلَى غَيْرِهِ؟ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ يُكَفِّرُ مُتَعَمِّدَهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ ابْنُهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَمَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْكَاذِبَ عَلَيْهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ مَثَلًا لَا يَنْفَكُّ عَنِ اسْتِحْلَالِ ذَلِكَ الْحَرَامِ أَوِ الْحَمْلِ عَلَى اسْتِحْلَالِهِ، وَاسْتِحْلَالُ الْحَرَامِ كُفْرٌ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْكُفْرِ كُفْرٌ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إِلَّا إِذَا اعْتَقَدَ حِلَّ ذَلِكَ.
الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ كَبِيرَةٌ وَالْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ صَغِيرَةٌ فَافْتَرَقَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اسْتِوَاءِ الْوَعِيدِ فِي حَقِّ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ أَوْ كَذَبَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ مَقَرُّهُمَا وَاحِدًا أَوْ طُولُ إِقَامَتِهِمَا سَوَاءً، فَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ ﷺ: فَلْيَتَبَوَّأْ عَلَى طُولِ الْإِقَامَةِ فِيهَا، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَنْزِلًا غَيْرَهُ، إِلَّا أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَطْعِيَّةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ خُلُودَ التَّأْبِيدِ مُخْتَصٌّ بِالْكَافِرِينَ، وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ حَيْثُ يَقُولُ: إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ وَسَنَذْكُرُ مَبَاحِثَهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَنَذْكُرُ فِيهِ الِاخْتِلَافَ فِي تَوْبَةِ مَنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ عَلَيْهِ هَلْ تُقْبَلُ أَوْ لَا. (تَنْبِيهٌ): رَتَّبَ الْمُصَنِّفُ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَرْتِيبًا حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَفِيهِ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَثَنَّى بِحَدِيثِ الزُّبَيْرِ الدَّالِّ عَلَى تَوَقِّي الصَّحَابَةِ وَتَحَرُّزِهِمْ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَثَلَّثَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَهُمْ إِنَّمَا كَانَ مِنَ الْإِكْثَارِ الْمُفْضِي إِلَى الْخَطَأِ لَا عَنْ أَصْلِ التَّحْدِيثِ ; لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالتَّبْلِيغِ، وَخَتَمَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى اسْتِوَاءِ تَحْرِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute