للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْكَذِبِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَى السَّمَاعِ مِنْهُ فِي الْيَقِظَةِ أَوْ فِي الْمَنَامِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ فِي الْجَنَائِزِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ فِي أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَهُوَ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ، لَكِنْ لَيْسَ هُوَ بِلَفْظِ الْوَعِيدِ بِالنَّارِ صَرِيحًا. وَاتَّفَقَ مُسْلِمٌ مَعَهُ عَلَى تَخْرِيجِ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْمُغِيرَةِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا، وَصَحَّ أَيْضًا فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَجَابِرٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَوَرَدَ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَطَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَبِي قِرْصَافَةَ، وَأَبِي مُوسَى الْغَافِقِيِّ، وَعَائِشَةَ، فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَوَرَدَ أَيْضًا عَنْ نَحْوِ من خَمْسِينَ غَيْرِهِمْ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، وَعَنْ نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ آخَرِينَ بِأَسَانِيدَ سَاقِطَةٍ.

وَقَدِ اعْتَنَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ بِجَمْعِ طُرُقِهِ، فَأَوَّلُ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَتَبِعَهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ، فَقَالَ: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: إِنَّهُ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَرْبَعِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَجَمَعَ طُرُقَهُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ فَزَادَ قَلِيلًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيّرفي شَارِحُ رِسَالَةِ الشَّافِعِيِّ: رَوَاهُ سِتُّونَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَجَمَعَ طُرُقَهُ الطَّبَرَانِيُّ فَزَادَ قَلِيلًا، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ: رَوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِينَ نَفْسًا، وَقَدْ خَرَّجَهَا بَعْضُ النَّيْسَابُورِيِّينَ فَزَادَتْ قَلِيلًا، وَقَدْ جَمَعَ طُرُقَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ الْمَوْضُوعَاتِ فَجَاوَزَ التِّسْعِينَ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ دِحْيَةَ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ: يَرْوِيهِ نَحْوُ مِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْدَهُ الْحَافِظَانِ يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَكْرِيُّ، وَهُمَا مُتَعَاصِرَانِ فَوَقَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ، وَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ كُلِّهِ رِوَايَةُ مِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا فَصَّلْتُهُ مِنْ صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ وَسَاقِطٍ، مَعَ أَنَّ فِيهَا مَا هُوَ فِي مُطْلَقِ ذَمِّ الْكَذِبِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِهَذَا الْوَعِيدِ الْخَاصِّ.

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ جَاءَ عَنْ مِائَتَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلِأَجْلِ كَثْرَةِ طُرُقِهِ أَطْلَقَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، وَنَازَعَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّ شَرْطَ التَّوَاتُرِ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْهِ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي الْكَثْرَةِ، وَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ طَرِيقٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِطْلَاقِ كَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا رِوَايَةُ الْمَجْمُوعِ عَنِ الْمَجْمُوعِ مِنِ ابْتِدَائِهِ إِلَى انْتِهَائِهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَهَذَا كَافٍ فِي إِفَادَةِ الْعِلْمِ. وَأَيْضًا فَطَرِيقُ أَنَسٍ وَحْدَهَا قَدْ رَوَاهَا عَنْهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَتَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ. نَعَمْ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ عَنْهُ سِتَّةٌ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ وَثِقَاتِهِمْ، وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَوْ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهَا: إِنَّهُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ صَحَابِيِّهِ لَكَانَ صَحِيحًا، فَإِنَّ الْعَدَدَ الْمُعَيَّنَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَاتِرِ، بَلْ مَا أَفَادَ الْعِلْمَ كَفَى، وَالصِّفَاتُ الْعَلِيَّةُ فِي الرُّوَاةِ تَقُومُ مَقَامَ الْعَدَدِ أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرْتُهُ فِي نُكَتِ عُلُومِ الْحَدِيثِ وَفِي شَرْحِ نُخْبَةِ الْفِكْرِ، وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ الرَّدَّ عَلَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ مِثَالَ الْمُتَوَاتِرِ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَيَّنْتُ أَنَّ أَمْثِلَتَهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا حَدِيثُ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا، وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَالشَّفَاعَةِ وَالْحَوْضِ، وَرُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، وَوَافَقَهُ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُورَةِ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ أَجْمَعَ الْعَشَرَةُ عَلَى رِوَايَتِهِ غَيْرُهُ، فَقَدْ تَعَقَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، لَكِنَّ الطُّرُقَ عَنْهُمْ مَوْجُودَةٌ فِيمَا جَمَعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَالثَّابِتُ مِنْهَا مَا قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ. فَمِنَ الصِّحَاحِ عَلِيٌّ،