للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ فَفِي مُسَاعَدَتِهَا عَلَى مُرَادِهِ نَظَرٌ.

قُلْتُ: وَيُسَاعِدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ النُّسُكِ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِالْإِعَادَةِ بَلْ عَذَرَ فَاعِلَهُ بِجَهْلِ الْحُكْمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ أَحَادِيثَ الْبَابِ عَلَى الِاخْتِلَافِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا أُصُولُ أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ لِيَسْتَنْبِطَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهَا مَا يُوَافِقُ مَذْهَبُهُ كَمَا صَنَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ جَمَلِهِ، فَإِنَّهُ أَوْرَدَ الطُّرُقَ عَلَى اخْتِلَافِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَيَّنَ فِي الْآخِرِ أَنَّ إِسْنَادَ الِاشْتِرَاطِ أَصَحُّ، وَكَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ; وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ فَقَالَ: أَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ الْمُتَجَاذِبَةَ لِيُفِيدَ النَّاظِرَ مَظَانَّ النَّظَرِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرِ الْحُكْمَ فِي التَّرْجَمَةِ، بَلْ أَفَادَ مُرَادَ الْحُكْمِ وَالْأُصُولِ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا، وَهُوَ أَكْثَرُ إِفَادَةً مِنْ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ أَيْضًا انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ بِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا، وَتَوْجِيهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَاقَهَا مُمْكِنٌ. وَأَمَّا مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مُمْكِنٌ: فَمِنْهَا الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَلَوْلَا أَنَّ حُذَيْفَةَ أَسْقَطَهَا لَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا، وَالْجَوَابُ أَنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَمِنْهَا إِبْدَالُ الْأُضْحِيَّةِ الَّتِي ذُبِحَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الَّذِي قَبْلَهُ.

وَمِنْهَا حَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْذُرْهُ بِالْجَهْلِ لَمَا أَقَرَّهُ عَلَى إِتْمَامِ الصَّلَاةِ الْمُخْتَلَّةِ، لَكِنَّهُ لَمَّا رَجَا أَنَّهُ يَتَفَطَّنُ لِمَا عَابَهُ عَلَيْهِ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَنْ جَهْلٍ بِالْحُكْمِ عَلَّمَهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ، وَأَيْضًا فَالصَّلَاةُ إِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْأَرْكَانِ فَكُلُّ رُكْنٍ اخْتَلَّ مِنْهَا اخْتَلَّتْ بِهِ مَا لَمْ يُتَدَارَكْ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُنَاسِبُ مَا لَوْ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بَعْدَهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَابِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَجْرَى الْبُخَارِيُّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ فِي قِصَّةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ مَا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ يَا بُنَيَّ وَلَيْسَ هُوَ ابْنَهُ، وَقِيلَ: إِذَا أَتَى امْرَأَتَهُ حَائِضًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ التَّعْمِيمِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلَ خَطَأً تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ، وَإِذَا أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ خَطَأً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ انْتَهَى.

وَانْفَصَلَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُتْلَفَاتِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ مَا يَدْخُلُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَا ذُكِرَ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِعُمُومِهَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِعُمُومِهَا فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَيْمَانِ فَلَا تَجِبُ، وَهَذَا قَوْلٌ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَعَنِ الْحَنَابِلَةِ عَكْسُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ أَحْمَدُ يُوقِعُ الْحِنْثَ فِي النِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ حَسْبُ وَيَقِفُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَالْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ اثْنَا عَشَرَ حَدِيثًا:

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: (زُرَارَةَ بْنَ أَبِي أَوْفَى) هُوَ قَاضِي الْبَصْرَةِ مَاتَ وَهُوَ سَاجِدٌ، أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ) سَبَقَ فِي الْعِتْقِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ مِسْعَرٍ بِلَفْظٍ عَنِ النَّبِيِّ بَدَلَ قَوْلِهِ هُنَا يَرْفَعُهُ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ. وَلِلنَّسَائِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ كِلَاهُمَا عَنْ مِسْعَرٍ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إِنَّمَا قَالَ يَرْفَعُهُ لِيَكُونَ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ سَمِعَهُ مِنْهُ. قُلْتُ: وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ بَلْ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ قَالَ وَعَنْ، وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ الِاحْتِمَالُ إِذَا قَالَ: سَمِعْتُ وَنَحْوَهَا، وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ وَكِيعًا رَوَاهُ عَنْ مِسْعَرٍ فَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ: وَالَّذِي رَفَعَهُ ثِقَةٌ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِسَمَاعِ زُرَارَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنَّهُ لَمْ