للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِقَوْلِهِ: بَيْنَنَا أَبَا مُوسَى وَأَتْبَاعَهُ وَأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَرْمِيِّينَ مَا ذَكَرَ مِنَ الْإِخَاءِ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ فِي الذَّبَائِحِ بِلَفْظِ هَذَا الْبَابِ إِلَى قَوْلِهِ: إِخَاءٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلَامَ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَقَدَّمَ طَعَامَهُ، نَعَمْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَجَرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِقِصَّةِ الدَّجَاجِ وَقَوْلِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَسُقْ بَقِيَّتَهُ، وَقَوْلُهُ: إِخَاءٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ، أَيْ: صَدَاقَةٌ، وَقَوْلُهُ: وَمَعْرُوفٌ، أَيْ: إِحْسَانٌ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا: وُدٌّ وَإِخَاءٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بَيَانَ سَبَبِ ذَلِكَ فِي بَابُ قُدُومِ الْأَشْعَرِيِّينَ مِنْ أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى الْكُوفَةَ أَكْرَمَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ جَرْمٍ، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ نَسَبَ جَرْمٍ إِلَى قُضَاعَةَ.

قَوْلُهُ: (فَقُدِّمَ طَعَامُهُ)، أَيْ: وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: طَعَامٌ بِغَيْرِ ضَمِيرٍ، وَمَضَى فِي بَابُ قُدُومِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِلَفْظِ: وَهُوَ يَتَغَذَّى لَحْمَ دَجَاجٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ جَوَازُ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ عَلَى الْمَوَائِدِ وَاسْتِخْدَامِ الْكَبِيرِ مَنْ يُبَاشِرُ لَهُ نَقْلَ طَعَامِهِ وَوَضْعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ الزُّهْدَ وَلَا يُنْقِصُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَقَشِّفَةِ. قُلْتُ: وَالْجَوَازُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَنْقُصُ الزُّهْدَ فَفِيهِ وَقْفَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَقُدِّمَ فِي طَعَامِهِ لَحْمُ دَجَاجٍ) ذُكِرَ ضَبْطُهُ فِي بَابُ لَحْمِ الدَّجَاجِ مِنْ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وَكَلَامُ الْحَرْبِيِّ فِي ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ بِلَفْظِ: دَجَاجَةٍ، وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَاسْتَغْرَبَهُ ابْنُ التِّينِ.

قَوْلُهُ: (وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ) هُوَ اسْمُ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا: تَيْمُ الْلَاتِ، وَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا قِيلَ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا الرَّجُلِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ.

قَوْلُهُ: (أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مَوْلًى) تَقَدَّمَ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ سَبْيِ الرُّومِ، كَذَا قَالَ فَإِنْ كَانَ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِالرُّومِ دُونَ الْفُرْسِ أَوِ النَّبَطِ أَوِ الدَّيْلَمِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَدْنُ)، أَيْ: لَمْ يَقْرَبْ مِنَ الطَّعَامِ فَيَأْكُلَ مِنْهُ، زَادَ عَبْدُ الْوَارِثِ فِي رِوَايَتِهِ فِي الذَّبَائِحِ: فَلَمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ.

قَوْلُهُ: (ادْنُ) بِصِيغَةِ فِعْلِ الْأَمْرِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ السَّلَامِ: هَلُمَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى ادْنُ، كَذَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ فَتَلَكَّأَ بِمُثَنَّاةٍ وَلَامٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَتَشْدِيدٍ، أَيْ: تَمَنَّعَ وَتَوَقَّفَ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ.

قَوْلُهُ: (يَأْكُلُ شَيْئًا قَذِرْتُهُ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، وَحُكْمُ أَكْلِ لَحْمِ الْجَلَّالَةِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ مُسْتَوْفًى.

قَوْلُهُ: (أُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ: عَنِ الطَّرِيقِ فِي حَلِّ الْيَمِينِ، فَقَصَّ قِصَّةَ طَلَبِهِمُ الْحُمْلَانَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا فِي آخِرِهِ مِنْ قَوْلِهِ : لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا، وَمَعْنَى: تَحَلَّلْتُهَا فَعَلْتُ مَا يَنْقُلُ الْمَنْعَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إِلَى الْإِذْنِ فَيَصِيرُ حَلَالًا، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا مَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَتَحَلَّلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَإِمَّا الْكَفَّارَةُ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُطْلَقِ الْيَمِينِ لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي أَثْنَاءِ الْيَمِينِ قَبْلَ كَمَالِهَا وَانْعِقَادِهَا وَالْكَفَّارَةُ تَحْصُلُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: تَحَلَّلْتُهَا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وُقُوعُ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ السَّلَامِ، وَعَبْدِ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَيُّوبَ بِلَفْظِ: إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيَّ نَفَرٌ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ فَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ لِصِحَّةِ قَوْلِ الْأَخْفَشِ يَجُوزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَاحْتَرَزْتُ بِقَوْلِي بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ عَنِ الْبَعْضِ وَالِاشْتِمَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ