للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٦٧٣٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ.

قَوْلُهُ: (بَابٌ قَوْلُ النَّبِيِّ : لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) هُوَ بِالرَّفْعِ أَيِ الْمَتْرُوكُ عَنَّا صَدَقَةٌ، وَادَّعَى الشِّيعَةُ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ مَا نَافِيَةٌ، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ ثَابِتَةٌ بِالرَّفْعِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفٍ تَقْدِيرُهُ مَا تَرَكْنَا مَبْذُولٌ صَدَقَةً؛ قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ، وَيَنْبَغِي الْإِضْرَابُ عَنْهُ وَالْوُقُوفُ مَعَ مَا ثَبَتَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ. وَذَكَرَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ.

أَحَدُهَا: حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ وَقِصَّتُهُ مَعَ فَاطِمَةَ، قَدْ مَضَى فِي فَرْضِ الْخُمُسِ مَشْرُوحًا وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ مِمَّا هُنَا.

وَقَوْلُهُ فِيهِ: إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ كَذَا وَقَعَ وَظَاهِرُهُ الْحَصْرُ وَأَيُّهُمْ لَا يَأْكُلُونَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْعَكْسُ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ، يَعْنِي بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَبَقِيَّتُهُ لِلْمَصَالِحِ. ثانيها حديث عائشة بلفظ الترجمة، وأورده آخر الباب بزيادة فيه.

ثَالِثُهَا: حَدِيثُ عُمَرَ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ، وَالْعَبَّاسِ مَعَ عُمَرَ فِي مُنَازَعَتِهِمَا فِي صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَفِيهِ قَوْلُ عُمَرَ، لِعُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ نَفْسَهُ؟ فَقَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَهُ لِعَلِيٍّ، وَلِلْعَبَّاسِ فَقَالَا كَذَلِكَ الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، وَقَدْ مَضَى مُطَوَّلًا فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَذِكْرُ شَرْحِهِ هُنَاكَ.

(تَنْبِيهَاتٌ):

الرَّاءُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا نُورَثُ بِالْفَتْحِ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَوْ رُوِيَ بِالْكَسْرِ لَصَحَّ الْمَعْنَى أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي، والْكُشْمِيهَنِيِّ خَاصَّةً، وَقَوْلُهُ: لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهُ أَيِ الْمَالَ، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَعْطَاكُمُوهَا أَيِ الْخَالِصَةَ لَهُ، وَقَوْلُهُ: فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِحَذْفِ الْجَلَالَةِ.

رابعها: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ شَيْخُهُ هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَدَنِيُّ ابْنُ أُخْتِ مَالِكٍ وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ، وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ شَيْخُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ بِحَدِيثٍ فَلَا رِوَايَةَ لَهُ عَنْ مَالِكٍ.

قَوْلُهُ: (لَا يُقْتَسَمُ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِلْبَاقِينَ لَا يُقْسَمُ بِحَذْفِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: الرِّوَايَةُ فِي الْمُوَطَّأِ وَكَذَا قَرَأْتُهُ فِي الْبُخَارِيِّ بِرَفْعِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، وَالْمَعْنَى: لَيْسَ يُقْسَمُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْجَزْمِ كَأَنَّهُ نَهَاهُمْ إِنْ خَلَّفَ شَيْئًا لَا يُقْسَمُ بَعْدَهُ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيِّ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ بِمَعْنَى النَّهْيِ فَيَتَّحِدَ مَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ رِوَايَةِ الرَّفْعِ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُخَلِّفُ شَيْئًا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِقِسْمَتِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنَّ الَّذِي يُخَلِّفُهُ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا يُقْسَمُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ تُقْسَمُ مَنَافِعُهُ لِمَنْ ذُكِرَ.

قَوْلُهُ: (وَرَثَتِي) أَيْ بِالْقُوَّةِ لَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يُورَثُ، أَوِ الْمُرَادُ لَا يُقْسَمُ مَالٌ تَرَكَهُ لِجِهَةِ الْإِرْثِ فَأَتَى بِلَفْظِ: وَرَثَتِي لِيَكُونَ الْحُكْمُ مُعَلَّلًا بِمَا بِهِ الِاشْتِقَاقُ، وَهُوَ الْإِرْثُ، فَالْمَنْفِيُّ اقْتِسَامُهُمْ بِالْإِرْثِ عَنْهُ؛ قَالَهُ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ.

قَوْلُهُ: (مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: عَامِلِي فِي أَوَائِلِ فَرْضِ الْخُمُسِ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ، وَحَكَيْتُ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، ثُمَّ وَجَدْتُ فِي الْخَصَائِصِ لِابْنِ دِحْيَةَ حِكَايَةَ قَوْلٍ رَابِعٍ أَنَّ الْمُرَادَ خَادِمُهُ، وَعَبَّرَ عَنِ الْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْعَامِلِ عَلَى النَّخْلِ وَزَادَ أَيْضًا وَقِيلَ: الْأَجِيرُ،