للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَيَتَحَصَّلُ مِنَ الْمَجْمُوعِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْخَلِيفَةُ، وَالصَّانِعُ، وَالنَّاظِرُ، وَالْخَادِمُ، وَحَافِرُ قَبْرِهِ ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْخَادِمِ الْجِنْسَ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِلنَّخْلِ فَيَتَّحِدُ مَعَ الصَّانِعِ أَوِ النَّاظِرِ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ الْوَصَايَا بَابُ نَفَقَةِ قَيِّمِ الْوَقْفِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ حَمْلِ الْعَامِلِ عَلَى النَّاظِرِ.

وَمِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ تَخْصِيصُ النِّسَاءِ بِالنَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ بِالْعَامِلِ وَهَلْ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ؟ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ بِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي اللُّغَةِ الْقِيَامُ بِالْكِفَايَةِ وَالْإِنْفَاقَ بَذْلُ الْقُوتِ، قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَقَةَ دُونَ الْمُؤْنَةِ، وَالسِّرُّ فِي التَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ لَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ كَانَ لَا بُدَّ لَهُنَّ مِنَ الْقُوتِ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْعَامِلُ لَمَّا كَانَ فِي صُورَةِ الْأَجِيرِ فَيَحْتَاجُ إِلَى مَا يَكْفِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: إِنَّ حِرْفَتِي كَانَتْ تَكْفِي عَائِلَتِي فَاشْتَغَلْتُ عَنْ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلُوا لَهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ. ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ عُمَرَ كَانَ فَضَّلَ عَائِشَةَ فِي الْعَطَاءِ ; لِأَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِمَزِيدِ حُبِّ رَسُولِ اللَّهِ لَهَا. قُلْتُ: وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا بَدَأَ بِهِ لِأَنَّ قِسْمَةَ عُمَرَ كَانَتْ مِنَ الْفُتُوحِ.

وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ الْبَابِ فَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا خَلَّفَهُ النَّبِيُّ وَأَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْهُ بِمَا ذُكِرَ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي لَفْظِ: نَفَقَةِ نِسَائِي كِسْوَتُهُنَّ وَسَائِرُ اللَّوَازِمِ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمِنْ ثَمَّ اسْتَمَرَّتِ الْمَسَاكِنُ الَّتِي كُنَّ فِيهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِاسْمِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ فَرْضِ الْخُمُسِ، وَإِذَا انْضَمَّ قَوْلُهُ: إن الَّذِي نُخَلِّفُهُ صَدَقَةٌ إِلَى أَنَّ آلَهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ تَحَقَّقَ قَوْلُهُ: لَا نُورَثُ، وَفِي قَوْلِ عُمَرَ: يُرِيدُ نَفْسَهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النُّونَ فِي قَوْلِهِ: نُورَثُ لِلْمُتَكَلِّمِ خَاصَّةً لَا لِلْجَمْعِ، وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ بِلَفْظِ: نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ فَقَدْ أَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِخُصُوصِ لَفْظِ: نَحْنُ لَكِنْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ أَتْقَنِ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِيهِ.

وَأَوْرَدَهُ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِنَحْوِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِلَفْظِ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُورَثُونَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: وَوَجْهُ ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُمْ مُبَلِّغِينَ رِسَالَتَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَأْخُذُوا عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا كَمَا قَالَ: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ وَقَالَ نُوحٌ وَهُودٌ وَغَيْرُهُمَا نَحْوَ ذَلِكَ، فَكَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي أَنْ لَا يُورَثُوا لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْمَالَ لِوَارِثِهِمْ، قَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾ حَمَلَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَكَذَا قَوْلُ زَكَرِيَّا ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي﴾

وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُورَثُونَ، وَذَكَرَ أَنَّ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَنَقَلَهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ﴾ قَالَ: الْعَصَبَةُ. وَمِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي﴾ قَالَ: يَرِثُ مَالِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْمَالَ، وَمِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ رَفَعَهُ مُرْسَلًا رَحِمَ اللَّهُ أَخِي زَكَرِيَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ.

قُلْتُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فَلَا مُعَارِضَ مِنَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِ نَبِيِّنَا : لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ