ابْنِ الْعَمِّ، وَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ يُحْجَبُ كَالْأَخِ لِلْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، وَكَذَا يَخْرُجُ الْأَخُ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأُخُوَّةُ مِنَ الْأُمِّ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي هَذَا فِي بَابِ ابْنَيْ عَمِّ أَحَدِهِمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَالْآخَرُ زَوْجٌ.
قَوْلُهُ: (رَجُلٍ ذَكَرٍ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَوَقَعَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَتِلْمِيذِهِ الْغَزَالِيِّ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْمُنْذِرِيُّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: فِيهَا بُعْدٌ عَنِ الصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَضْلًا عَنِ الرِّوَايَةِ؛ فَإِنَّ الْعَصَبَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْجَمْعِ لَا لِلْوَاحِدِ، كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قَدِ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْأَخَوَاتِ عَصَبَاتُ الْبَنَاتِ، وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الذُّكُورَةِ فِي الْعَصَبَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْبَاقِي بَعْدَ الْفُرُوضِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ لَهُ عُمُومٌ؟ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَيُخَصُّ بِالْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَاتِ عَصَبَاتُ الْبَنَاتِ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ التَّعْبِيرُ بِذَكَرٍ بَعْدَ التَّعْبِيرِ بِرَجُلٍ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا كُرِّرَ لِلْبَيَانِ فِي نَعْتِهِ بِالذُّكُورَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْعَصَبَةَ إِذَا كَانَ عَمًّا أَوِ ابْنَ عَمٍّ مَثَلًا وَكَانَ مَعَهُ أُخْتٌ لَهُ أَنَّ الْأُخْتَ لَا تَرِثُ وَلَا يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ مِنَ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ: رَجُلٍ وَالْإِشْكَالُ بَاقٍ إِلَّا أَنَّ كَلَامَهُ يَنْحَلُّ إِلَى أَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَبِهِ جَزَمَ غَيْرُهُ كَابْنِ التِّينِ قَالَ: وَمِثْلُهُ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَزَيَّفَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ: قِيلَ إِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا تُؤَكِّدُ حَيْثُ يُفِيدُ فَائِدَةً إِمَّا تَعَيُّنُ الْمَعْنَى فِي النَّفْسِ، وَإِمَّا رَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ وَلَيْسَ ذَلِكَ هُنَا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا التَّوْكِيدُ لِمُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ وَهُوَ الذُّكُورَةُ ; لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَعْنَى النَّجْدَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَمْرِ، فَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ رَجُلٌ أَبُوهُ، فَلِهَذَا احْتَاجَ الْكَلَامُ إِلَى زِيَادَةِ التَّوْكِيدِ بِذَكَرٍ حَتَّى لَا يُظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الْبَالِغِ، وَقِيلَ: خَشْيَةَ أَنْ يُظَنَّ بِلَفْظِ رَجُلٍ الشَّخْصُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِي قَوْلِهِ ذَكَرٍ الْإِحَاطَةُ بِالْمِيرَاثِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى، وَلَا يَرِدُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْبِنْتَ تَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَأْخُذُهُ بِسَبَبَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَالْإِحَاطَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالسَّبَبِ الْوَاحِدِ، وَلَيْسَ إِلَّا الذَّكَرَ فَلِهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الذُّكُورِيَّةِ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ كُلُّ مُدَّعٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُ احْتِرَازٌ عَنِ الْخُنْثَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا تُؤْخَذُ الْخُنْثَى فِي الزَّكَاةِ، وَلَا يُحْرِزُ الْخُنْثَى الْمَالَ إِذَا انْفَرَدَ، وَقِيلَ: لِلِاعْتِنَاءِ بِالْجِنْسِ، وَقِيلَ: لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْكَمَالِ فِي ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ أُنْثَى، وَقِيلَ: لِنَفْيِ تَوَهُّمِ اشْتَرَاكِ الْأُنْثَى مَعَهُ لِئَلَّا يُحْمَلَ عَلَى التَّغْلِيبِ.
وَقِيلَ: ذُكِرَ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعُصُوبَةِ وَسَبَبِ التَّرْجِيحِ فِي الْإِرْثِ وَلِهَذَا جُعِلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الرِّجَالَ تَلْحَقُهُمُ الْمُؤَنُ كَالْقِيَامِ بِالْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ وَإِرْفَادِ الْقَاصِدِينَ وَمُوَاسَاةِ السَّائِلِينَ وَتَحَمُّلِ الْغَرَامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
هَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَسَبَقَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ: قِيلَ هُوَ عَلَى مَعْنَى اخْتِصَاصِ الرِّجَالِ بِالتَّعْصِيبِ بِالذُّكُورِيَّةِ الَّتِي بِهَا الْقِيَامُ عَلَى الْإِنَاثِ، وَأَصْلُهُ لِلْمَازِرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اسْتِشْكَالَ مَا وَرَدَ فِي هَذَا وَهُوَ رَجُلٌ ذَكَرٌ وَفِي الزَّكَاةِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ فِي الزَّكَاةِ الِانْتِقَالُ مِنْ سِنٍّ إِلَى أَعْلَى مِنْهَا وَمِنْ عَدَدٍ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ وَقَدْ جُعِلَ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسِنا أَعْلَى مِنْهَا وَهُوَ ابْنُ لَبُونٍ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ وَأَنَّ السِّنِينَ كَالسِّنِّ الْوَاحِدِ ; لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ أَعْلَى سِنًّا لَكِنَّهُ أَدْنَى قَدْرًا، فَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ ذَكَرٌ عَلَى أَنَّ الذُّكُورِيَّةَ تَبْخَسُهُ حَتَّى يَصِيرَ مُسَاوِيًا لِبِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ كَوْنِهَا أَصْغَرَ سِنًّا مِنْهُ.
وَأَمَّا فِي الْفَرَائِضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute