للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَوْضَحُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْجُعْفِيُّ الْمُسْنَدِيُّ، وَسُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَمْرٌو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ، وَنَوْفٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالْفَاءِ، وَالْبَكَالِيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَتَخْفِيفِ الْكَافِ - وَوَهِمَ مَنْ شَدَّدَهَا - مَنْسُوبٌ إِلَى بَكَالٍ بَطْنٍ مِنْ حِمْيَرَ، وَوَهَمَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى بَكِيلٍ بِكَسْرِ الْكَافِ بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ لِأَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ، وَنَوْفٌ الْمَذْكُورُ تَابِعِيٌّ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ فَاضِلٌ عَالِمٌ لَا سِيَّمَا بِالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَكَانَ ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ مُوسَى) أَيْ: صَاحِبَ الْخَضِرِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ) كَذَا فِي رِوَايَتِنَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فِيهِمَا، وَهُوَ عَلَمٌ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ قَالُوا: إِنَّهُ مُوسَى بْنُ مِيشَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُنَوَّنٌ مَصْرُوفٌ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِثَالًا لِلْعَلَمِ إِذَا نُكِّرَ تَخْفِيفًا، قَالَ: وَفِيهِ بَحْثٌ.

قَوْلُهُ: (كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: لَمْ يُرِدِ ابْنُ عَبَّاسٍ إِخْرَاجَ نَوْفٍ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ قُلُوبَ الْعُلَمَاءِ تَنْفِرُ إِذَا سَمِعَتْ غَيْرَ الْحَقِّ، فَيُطْلِقُونَ أَمْثَالَ هَذَا الْكَلَامِ لِقَصْدِ الزَّجْرِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ. قُلْتُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ اتَّهَمَ نَوْفًا فِي صِحَّةِ إِسْلَامِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي حَقِّ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَعَ تَوَارُدِهِمَا عَلَيْهَا. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِلْعَالِمِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِشَيْءٍ فَسَمِعَ غَيْرَهُ يَذْكُرُ فِيهِ شَيْئًا بِغَيْرِ عِلْمٍ أَنْ يُكَذِّبَهُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ ﷺ: كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ أَيْ: أَخْبَرَ بِمَا هُوَ بَاطِلٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ) فِي اسْتِدْلَالِهِ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُتْقِنِ عِنْدَهُ؛ حَيْثُ يُطْلِقُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامُ فِي حَقِّ مَنْ خَالَفَهُ، وَفِي الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ وَهُمَا عَمْرٌو، وَسَعِيدٌ، وَصَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ وَهُمَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأُبَيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ) فِي جَوَابِ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ، قِيلَ: إِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ فِي بَابِ الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟

وَعِنْدِي: لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا أَنَا أَعْلَمُ أَيْ: فِيمَا أَعْلَمُ، فَيُطَابِقُ قَوْلَهُ لَا فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَهُ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ فِي إِسْنَادِ ذَلِكَ إِلَى عِلْمِهِ لَا إِلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهَذَا السَّنَدِ قَامَ مُوسَى خَطِيبًا، فَعَرَضَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ مَا أُوتِيَ، وَعَلِمَ اللَّهُ بِمَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، فَقَالَ: يَا مُوسَى، إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ آتَيْتُهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ أُوتِكْ.

وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِاللَّهِ وَأَمْرِهِ مِنِّي.

وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِلَفْظِ مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا خَيْرًا أَوْ أَعْلَمُ مِنِّي.

قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: ظَنَّ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ تَرْكَ مُوسَى الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ أَوْلَى. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ رَدُّ الْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَيِّنٌ أَجَابَ أَوْ لَمْ يُجِبْ، فَلَوْ قَالَ مُوسَى ﵇: أَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ تَحْصُلِ الْمُعَاتَبَةُ، وَإِنَّمَا عُوتِبَ عَلَى اقْتِصَارِهِ عَلَى ذَلِكَ، أَيْ: لِأَنَّ الْجَزْمَ يُوهِمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ الْإِخْبَارُ بِمَا فِي عِلْمِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْعَتْبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ فِي الْآدَمِيِّينَ كَنَظَائِرِهِ.

قَوْلُهُ: (هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخَضِرَ نَبِيٌّ، بَلْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَلَزِمَ تَفْضِيلُ الْعَالِي عَلَى الْأَعْلَى وَهُوَ بَاطِلٌ مِنَ الْقَوْلِ، وَلِهَذَا أَوْرَدَ الزَّمَخْشَرِيُّ سُؤَالًا وَهُوَ: دَلَّتْ حَاجَةُ مُوسَى إِلَى التَّعْلِيمِ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ مُوسَى بْنُ مِيشَا كَمَا قِيلَ، إِذِ النَّبِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا نَقْصَ بِالنَّبِيِّ فِي أَخْذِ الْعِلْمِ مِنْ نَبِيٍّ مِثْلِهِ، قُلْتُ: وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مَا أَوْجَبَ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ تَقْيِيدُ الْأَعْلَمِيَّةِ بِأَمْرٍ مَخْصُوصٍ، لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ النَّبِيِّ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ أَيْ مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُوسَى مُرْسَلًا إِلَى الْخَضِرِ، وَإِذًا فَلَا نَقْصَ بِهِ إِذَا كَانَ الْخَضِرُ أَعْلَمَ